الخبر – فرنسا – منى منير
رغم الجدل والتوتر الذي صاحبه، والظلال القاتمة التي ألقاها عليه اعتداء مانشستر، ثم خبر وفاة الممثل البريطاني روجر مور، يبقى مهرجان كان عرساً للسينما العالمية يطغى عليه الطابع الاحتفالي.
وتخليدا لذكرى مرور 70 عاما على انطلاقه، رُصعت السعفة الذهبية للمرة الأولى هذه السنة بالألماس، فزُينت السعفة المصنوعة من 118 جراماً من الذهب الخالص بـ167 ألماسة يبلغ وزنها الإجمالي 0,694 قيراط فصارت “أشبه بغبار نجوم متناثر على أوراق السعفة وساقها” حسب ما أوضحت دار شوبار للمجوهرات وهي الداعم الرسمي للمهرجان.
مساء الأحد 28 مايو، اختتم مهرجان كان السينمائي فعالياته التي انطلقت في 17 من نفس الشهر، وقدمت حفل الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي، وقدم فيه المغني الفرنسي بنجمان بيولي وصلة موسيقية.
وفي كلمة قصيرة دعت بيلوتشي إلى تمثيل أكبر للنساء في السينما، ووجهت تحية للمخرجة جين كامبيون، الوحيدة الحائزة على السعفة الذهبية في تاريخ المهرجان، فقالت إنها “مصدر إلهام للمخرجات”.
دارت فعاليات المهرجان هذه السنة بين موعدين مهمين في فرنسا، انتهى أولهما في السابع من مايو مع انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا جديدا للبلاد، في حين ينطلق الثاني، الانتخابات التشريعية، في 11 يونيو.
وتطرقت العديد من الأفلام المعروضة ضمن المسابقة الرسمية وخارجها إلى قضايا هامة تؤرق الإنسانية، لا سيما الإرهاب والهجرة والمرض.
فاز الفيلم الكوميدي “سكوير” أو “المربع” للسويدي روبن أوستلوند بالسعفة الذهبية لهذه الدورة، ويروي الفيلم قصة كريستيان وهو رجل مطلق وأب لطفلين يحب الاعتناء بهما، ويعمل كريستيان كأمين لأحد متاحف الفن المعاصر، وهو أيضا من أولئك الذين يقودون سيارات كهربائية ويساندون القضايا الإنسانية الكبرى.
نتابع في الفيلم تحضيرات كريستيان للمعرض المقبل الذي يحمل عنوان “المربع”، وهدفه تذكير الناس بواجبهم تجاه الآخرين وتحفيزهم على الاهتمام بهم، لكن يصعب أحيانا أن يوافق سلوكك القيم التي تدافع عنها، فحين يسرق هاتف كريستان لم يكن رد فعله مشرفا… في نفس الوقت تطلق وكالة اتصال المتحف حملة إعلانية مدهشة لـ “المربع”، نتجت عنها ردود فعل غير منتظرة وغرق كريستيان في أزمة وجودية.
أما الجائزة الكبرى وهي ثاني أهم جوائز المهرجان فكانت من نصيب فيلم “120 خفقة في الدقيقة” للفرنسي روبين كامبيو، ووقف الحاضرون يصفقون طويلا عند إعلان الجائزة، فالكل في “كان” كان يتوقع ويتمنى السعفة الذهبية لهذا الفيلم الذي يتناول بدايات حركة “أكت أب” في فرنسا، وهي جمعية يناضل فيها مرضى الإيدز ومساندوهم.
كما فازت الألمانية الأمريكية ديان كروغر بطلة فيلم “من العدم” للألماني من أصل تركي فاتح أكين بجائزة أفضل ممثلة في هذه الدورة 70 من مهرجان كان. وأهدت كروغر الجائزة عند تسلمها إلى “ضحايا الإرهاب الذين يحاولون مواصلة الطريق” وتابعت “لا ننساكم”.
تدور أطوار “من العدم” وسط الجالية التركية بمدينة هامبورغ الألمانية، وهي المدينة التي ولد فيها فاتح أكين. يحرك الفيلم تساؤلات سياسية واجتماعية تخترق أوروبا اليوم، لا سيما كراهية الأجانب وصعود تيارات اليمين المتطرف التي نادرا ما تسلط عليها السينما الضوء. وهو أول فيلم تمثل فيه ديان كروغر بالألمانية، لغتها الأم. ويقول أكين أن كروغر هي “مارلين ديتريتش الحديثة”.
وفاز بالتساوي فيلما “لم تكن أبدا حقا هنا” للبريطانية لين رامسيه و”قتل الأيل المقدس” لليوناني يورغس لانتيموس” بجائزة أفضل سيناريو.
كان فيلم “قتل الأيل المقدس” لليوناني يرغوس لانتيموس بدوره قد خيب الجمهور في كان وقوبل بتصفير الاستهجان في نهاية العرض، ويغذي خيال لانتيموس عالم المسرح التجريبي وكليبات الفيديو وإعلانات تسعينات القرن الماضي، لذلك فهو يولي نفس الأهمية للأشياء والشخصيات والديكور والصوت، لذلك بدا تركيب السيناريو بحد ذاته للعديد معقدا إلى حد إدخال القلق في صفوف الجمهور الذي غادر أغلبه قاعة العرض، وتمثل نيكول كيدمان في الفيلم.
إلى جانب جائزة أفضل سيناريو، كافأت لجنة التحكيم فيلم “لم تكن أبدا حقا هنا” عبر منح بطله الممثل الأمريكي جواكين فينيكس جائزة أفضل ممثل. يتقمص فينيكس “جو” وهو جندي سابق، عنيف ومعذب النفس، يتكلف مهمة البحث عن “نينا” وهي ابنة سيناتور اختطفت في الولايات المتحدة، فيواجه “جو” العديد من العمليات الانتقامية ويعلق في نظام القتل والفساد فيدخل مرغما وسط دوامة عنف منقطعة النظير.
كما فاز فيلم “الفرائس” للأمريكية صوفيا كوبولا بجائزة أفضل إخراج. خلال الحرب الأهلية الأمريكية في القرن التاسع عشر، يصاب جندي من معسكر الأعداء، بجروح فيلجأ إلى مدرسة داخلية تعيش فيها مجموعة من الفتيات وتديرها الغامضة مارتا (نيكول كيدمان). بعد أن يضمدن جراحه ويأوينه، ينغلق المكان على “الفرائس” المفترضة وضيفهن. سرعان ما تشحن الأجواء بعداءات خطيرة بين الفتيات وغرائز جنسية.
من جهته فاز فيلم “بلا حب” للروسي أندري زفياجينتساف بجائزة لجنة التحكيم. الجمع بين السياسي والحميمي يطبع أسلوب المخرج زفياجينتساف الذي صور في أعماله أسطورة التدهور المادي والأخلاقي في بلاده. “بلا حب” يسبر مسائل وتساؤلات شبيهة، عبر تفكك العلاقة التي تربط بين زوجين. فلم يعد بوريس وزهانيا يحبان بعضهما فيقرران الطلاق، لكل منهما غراميات جديدة تدفعهما لبناء حياة مختلفة. لكن يختفي أليوشا طفلهما البالغ من العمر 12 عاما والمنهك من كثرة الشجار الجارح بين والديه.
واختار مهرجان كان في هذه الدورة وبمناسبة مرور سبعين عاما على إطلاقه، إسناد جائزة خاصة استثنائيا للممثلة الأمريكية نيكول كيدمان التي شاركت في هذه النسخة بأربعة أفلام اثنان منها ضمن المسابقة الرسمية (“قتل الأيل المقدس” و”الفرائس”).