عشت لفترات طويلة من عمرى أتساءل، لما أوجدوا علم النفس وعلم الإجتماع؟ ويحصلون فيه على درجات علمية تصل الى حد الدكتوراة والاستاذية .. وكان دائما يلح على ذاك السؤال فى الوقت الذى كنت أعتقد فيه أن جميع بني مجتمى على تواصل جيد ببعضهم البعض ولا يحتاجون الى لغه تواصل لتوضيح المفاهيم وإدراك المقصود من معانى الكلمات، فكنت مازلت داخل قوقعتى التى كونتها حول نفسى فى عالمى الخاص بين الكتب والدوريات والصالونات والندوات الثقافية والسياسية، الى أن خرجت للعالم الخارجى وأحتككت به وأكتشفت أن المجتمع المصرى يحتاج إلى الالاف بل الملايين من متخصصى علم النفس والإجتماع وغيرهم من متخصصى علم التواصل.
فقد وجدت مجتمعا غريبا مشتتا مقسما إلى مجموعات صغيرة جدا ودقيقة الى أقصى حد، به كل مجموعة لها ايدولوجيتها الفكرية وعاداتها وموروثها الثقافى الخاص، حتى فى طريقة فهمهم لمعانى الكلمات التى تصدر من الاخرين هنا أدركت الفاجعة الكبرى .ولعلها كانت البداية عندما كنت حاضرا لتجمع ما، قال أحد الحاضرين بعض الكلمات التى بالطبع فهمت المغزى المقصود منها بكل سهولة ويسر ولكنى وجدت صاحب تلك الكلمات يحاول أن يوضح لى أن تلك الكلمات يقصد بها كذا وكذا وأنها ليست بالشئ السئ، وهنا انتابنى شعور غريب وهو لماذا احتاج هذا المتحدث الى توضيح معانى كلمات هى بالطبع مفهومه جيدا ولا تحتاج الى تعليل او توضيح.
ولكنى اكتشفت أننى من القلائل الذين فهموا المغزى الحقيقى من تلك الكلمات أما الباقون فاختلفوا حول فهمهم لها وهنا كان الصدام الأول مع اختلاف العقول داخل المجتمع المصرى.
مرت على تلك اللحظه منذ أكثر من خمسة عشره عاما ومن حينها وأكتشفت الجديد والجديد كل يوم.
تدور العديد والعديد من الكلمات بداخلى فى تلك اللحظه المتأخره من الليل والتى تحتاج الى عدد من الورقات وقليل من الاقلام الجاف الفرنساويه الصنع طيبه السمعه لطيفة الملمس لتدوينها، كى لاتذوب مع أول شعاع شمس ليوما جديدا مليئ بالطبع بالكثير من المفارقات، ولكن بعد إدراك منتصف الليل الساعه الثانيه عشر وأربع وعشرون دقيقة صباحا، أجد داخلى واحتياجاتى البيولوجية تخاطبنى بل تصرخ بداخلى، قائله: انهض يا سيد غاندى كى تأخذ قسطا وفيرا من النوم فأمامك باكرا يوما قد يكون شاقا إلى حد ما، فلتعطنى ذاك القسط حتى استطع أن أستمر معك بحالة جيدة فى مسيرتك فى تلك الحياة العجيبة وغريبة الاطوار.
وهنا تحدثها نفسى ورحى قائلتين: تحتاجين إلى قسطا من الراحه ألا يكفيكى ما سوف تحصلين عليه من قسط وفير حيث الركود فى القبر حتى قيام الساعه؟ عجبا!!!
أم لديكى يقين أنها سوف لا تكون لحظات سكون وراحة؟
إن كنتى تعتقدين ذلك فأريد أن أخبرك بأننى واثق من رحمة الرحمن الرحيم فلا سبيل لنا فى تلك الدنيا وما بعدها من عالم آخر سوى رحمته وحده فهى الحصن الأوحد الذى يرجوه اقصى العابدين.