فى قاموس الحياة لا يوجد ما يسمى ب ” الفشل ” ، و من نطلق عليه فاشلا فى إنجاز عمل ما مؤكداً سيكون ناجحاً فى مجال آخر .و بما أن كلنا مختلفون فى الميول و الأهواء و القدرات و الإختيارات فكل شخص منا سينجز و يبدع فيما يميل و يهوى و يترك شىء آخر دون أى إهتمام أو إنجاز و هذا لا يعنى فشل و إلا فكلنا سنصبح فاشلون .
عفوا هذه نظرة خاطئة ظالمة لأنفسكم و لغيركم . فكلنا بلا إستثناء ناجحون ، فقط نحتاج لسعي و أمل و صبر و إرادة . فربما أنا ناجحة فى الكتابة ، و أنت بارع فى الرسم ، و أنتي متفوقة فى الرياضيات و غيرنا نابغ فى الطب و هكذا .
فكل منا لابد أن يكون له نجاح فى مجال ما ، ربما ظهر هذا النجاح للنور أو لم يظهر بعد ، لكنه حتما موجود و له يوم .
النجاح مرتبط بهواياتك و المجال الذى ستبدع فيه ، و بنقاط القوة داخلك ، فكل منا بداخله أضواء لم تضاء بعد و تنتظر الطريق الذى تخرج من خلاله .
حاول أن تعيد النظر فى نقاط ضعفك ربما تعالجها و تحولها إلى قوة ، و عزز نقاط القوة لديك و ثق بالصوت الذى يناديك من الداخل بأنك ” تستطيع ” .
و من ناحية أخرى فهناك كلمة لا تقل سوءاً عن سابقتها ” الإعاقة ” فإن صح القول كلنا معاقين ، لكن أسوأ أنواع الإعاقة هى التى تكون من الداخل فى الفكر و الأخلاق لأن الإعاقة الجسدية لا تعني أى شىء أمام عقل ذكي و روح حية و إرادة قوية .
الله هو الذى خلق لنا حواسنا المختلفة و جسدنا ككل و كانت حكمته من ذلك أن إذا عجز عضو فيه عمل الآخر بقوة و حماس أكبر ، فلا تجعل وهم الإعاقة يعيقك و يعركل طريق نجاحك فربما تصبح يوما ما الأفضل و الأميز بفضل محنتك هذه و ظروفك الخاصة .
سأضع بين أيديكم نماذج على سبيل المثال و ليس الحصر من أشهر الشخصيات العظيمة التى تحدت مصطلح ” الإعاقة ” و ما يسمى ب ” الظروف ” بالصمود و العمل و الكفاح و مقاومة مخاوفهم و بثوا بنجاحهم و تفوقهم الأمل فى نفوسنا ككل :
• طه حسين :
المصري الكفيف الذى لقب ب ” عميد الأدب العربي ” الذى أبدع فى أعماله رغم أن عينه لم ترى النور فهو بالفعل ” قاهر الظلام ” .
• عباس محمود العقاد :
المصري الذى فرضت عليه ظروفه ألا يكمل تعليمه ، و لكنه تحدى ذلك بالتثقيف الذاتي و القراءات المتعددة المستمرة حتى أصبح عملاق الأدب العربي .
• بيتهوفن :
أسطورة الموسيقى الألمانية الذى لقب ب ” أبي السمفونيات ” الذى فقد حاسة السمع ، و لكنه أبدع فى أعماله الموسيقية و سيظل إسمه مخلداً فى الأذهان فى كل عصر .
• ياني كريسماليس :
ساحر الموسيقى اليونانية العالمي العبقري الذى لم يدرس البيانو و يجهل قراءة النوتة الموسيقية ، و لكنه أبدع فى موسيقاه و أعطاها الروح و الحياة ، و كأن موسيقاه تنطق بما داخلها .
• هيلين كيلر :
الكاتبة الأمريكية التى أصيبت بالصم و البكم و العمى منذ صغرها ، و رغم ذلك تحدت تلك المحنة و تعلمت الكتابة و النطق و درست لغات عديدة حتى صارت بشهرتها التى نعرفها عنها الآن ، و صاحبة العديد من الكتب و القصص و المقالات .
• أشهر علماء الفيزياء :
نيوتن : كان يعاني من نوع غامض من مرض التوحد .
أينشتاين : إرتبط إسمه بالعبقرية و كان يعاني فى طفولته من صعوبات فى التعلم و النطق و من نوع غامض من مرض التوحد .
و على الرغم من ذلك أصبحوا عباقرة الفيزياء و الذى مازالت دراساتهم و تجاربهم تدرس حتى الآن فى أكبر الجامعات .
• تاتا جراي تومبسون :
ولدت بعيب خلقي جعلها تستخدم الكرسي المتحرك ، و بثباتها و إرادتها أصبحت واحدة من أشهر الرياضيين متحدي الإعاقة فى بريطانيا .
• سارة برنار :
ممثلة مسرحية فرنسية ذاع صيتها فى أوروبا ، تعرضت لحادثة فى ركبتها مما أدى إلى بتر إحدى ساقيها ، لكن ذلك لم يمنعها من الإستمرار فى الوقوف و اللمعان على خشبة المسرح حتى وفاتها ، و عرفت بأنها من أعظم ممثلات أوروبا .
• فينسنت فان جوخ :
الرسام الهولندي المشهور الذى عانى من نوبات متكررة من المرض العقلي مما أدى إلى دخوله المستشفى النفسي و رسم هناك أفضل اللوحات حتى صار صاحب أشهر و أغلى اللوحات .
• كريستي براون :
رسام و كاتب أيرلندي مصاب بشلل دماغي ، و برغم ذلك كان متمكنا من الرسم و الكتابة بإستخدام قدم واحدة فقط .
• نيك فيوتتش :
الأسترالي الذى ولد بمتلازمة نقص الأطراف الأربعة و رغم إعاقته القاسية إستطاع أن يعلم نفسه التزلج و ركوب الأمواج ، و أسس منظمة غير ربحية تحت مسمى ” الحياة بدون أطراف ” التى تبث الأمل فى النفوس و تحث على العيش بإيجابية بعيداً عن اليأس و الإحباط .فهو بالتأكيد من يستحق لقب ” قاهر المستحيل ” .
• أندريا بوتشيلي :
المغني الأوبرالي و الكلاسيكي و الكاتب و المنتج الإيطالي الذى فقد بصره منذ صغره بسبب إستعداد وراثي يضعف فيه البصر حتى ينتهي بالعمى . ورغم فقده حاسة البصر إلا أن ذلك لم يعقه أبدا حتى صار واحداً من أهم الأصوات الأوبرالية المميزة ذات الصيت الواسع فى جميع أنحاء العالم حتى لقب بفنان الأوبرا الملتزم .
• روان أتكينسون :
الممثل و المؤلف و المنتج و كاتب السيناريو الإنجليزى الشهير بإسم ” مستر بين ” . لقد كان يعاني من تأتأة خفيفة فى اللسان و على الرغم من ذلك فقد إستغل مواهبه الأخرى و ركز على نقاط القوة الكامنة داخله حتى صار من أشهر الكوميدين فى تاريخ بريطانيا و لقب ب ” أمير الكوميديا الصامتة ” و صارت كوميديته محببة للقلوب عشقها الكبار و الصغار .
:
• شارلي شابلن :
الممثل و المخرج و المنتج و الملحن و الكاتب الإنجليزي الشهير ب ” السير شارلي شابلن ” أو ” الصعلوك ” . رغم شده فقره و حالات البؤس التى عاشها إلا أنه أضحك العالم فى كل الأوقات وأخفى همومه و فقره و تعاسته و يتمه داخل قبعته السوداء و بعصاه السحرية حول ذلك إلى نجاح باهر و عبقرية عظيمة يشهد لها الجميع و صار سيد الشاشة الصامتة الراقية البسيطة فى الأداء و الكبيرة فى القيم و المعاني الإنسانية و الإجتماعية و السياسية .
• الكولونيل هارلند ساندرز :
الأمريكي البسيط مؤسس سلسلة مطاعم كنتاكي الشهيرة حاليا . رغم فقره و الصعوبات التى واجهها و الإحباطات التى تعرض لها ممن حوله و خساراته و خيبات أمله المتكررة إلا أنه إستطاع أن يصير طباخاً ماهراً خبيراً و قام بتأسيس سلسلة مطاعم كنتاكي التى ذاع صيتها الاًن فى جميع أنحاء العالم . فمنذ بداية حياته حتى وفاته عاش فى صراع و كفاح ، لكنه أبدا لم ييأس أو يمل أو يستسلم و ترك لنا أثرا عظيما نزاوله حتى الاًن .
و هناك آخرون مما كان لهم أثر لن يمحى أبداً أبد الدهر و هم نماذج مشرفة لي و لكم و لكل العالم فى مختلف الأماكن و البلدان .
من الملاحظ أن معظم العباقرة و أصحاب الفكر و الإبداع هم من لم تكن حياتهم رغدة مرفهة بل عانوا كثيرا و ضحوا و واجهوا و تحدوا لينتهي بهم الأمر فى النهاية إلى النجاح و المجد و الشهرة ، و لتمتد أعمالهم الكتابية أو الفكرية أو العلمية أو الفنية لأجيال متتالية تقتدي بهم .
فإعلم أنه دائما فى مصائب الزمن و الشدائد تأتيك القوة و الحكمة و الصبر و تلك هى الخطوة الأولى لك لتقف على نقاط قوتك لتبدع و تحقق ما أنت أهل له ، و لتكن عونا لغيرك ، و لا تنسى أبدا أنه فى غياب شىء ما يأتى من جهة أخرى جميل العوض .