كتبت – دنيا على
بات موت الملكة كليوباترا لغزا حتى الآن فهل قتلت كليوباترا ولم تنتحر، البعض لا يستبعد هذه الفرضية ويؤيدها لأن المصريين لا يتركون ُثأرهم ودماء قتلاهم دون القصاص، وإظهار موت كليوباترا على أنه انتحار وسيلة لتفادي غضب المصريين ومطالبتهم بالثأر من القاتل.
وأكدت بات براون، خبيرة علم الإجرام المهتمة بقضايا القتل التاريخية الغامضة، أن لديها سلسلة من المؤشرات والقرائن المنطقية التي حَدت بها إلى تصور سيناريو جديد لطريقة وفاة المرأة الأكثر إثارة للجدل في حضارات الشرق القديم.
في البداية قرأت “بات براون” جميع النصوص القديمة التي تناولت حياة كليوباترا وخلصت إلى نتيجة متفق عليها وهي أن المرأة تنحدر من سلالة يونانية عرفت بعنفها وسطوتها وامتزاجها بالدم المصري، واشتهرت كليوباترا إبان حكمها بألمعية لا يختلف عليها اثنان، فقد رأت فيها امرأة لا تتراجع أو تستسلم للموت.
وبما إن الانتحار لدى القدماء كان يرمز إلى الجبن، لذا انتهت “بات براون” إلى اعتبار فرضية انتحار كليوباترا مستبعدة.
وأوضحت “بات براون”، أن الرواية الرسمية تفيد بأنّ كليوباترا ماتت بسم أفعى لدغتها مع وصيفتها، لذا استعانت بديفيد واريل، الخبير الأخصائي بالحيوانات السامة، حيث انتخب لها مرشحين من الأفاعي لا ثالث لهما: الأول أفعى اعتيادية واسعة الانتشار في موقع الحدث والثاني عبارة عن كوبرا مصرية.
بالنسبة للأفعى الاعتيادية، تستمر حياة المصاب بلدغة منها أيامًا عدة، لذا استبعدت “بات براون” هذه الفرضية لأنّ كليوباترا كانت توفيت بسرعة حسب تأكيد المصادر التاريخية.
وتبقي احتمالية أفعى الكوبرا والتي يقضي سمها على الفريسة في ساعتين استنتجت بأنّ المسافة التي كانت تفصل بين القصر والضريح لا تتجاوز مئات عدة من الأمتار، أي أن عشر دقائق كانت تكفي للتنقل جيئة وذهابا بين الموقعين، لكن الروايات تقول إن كليوباترا كانت كتبت إلى سجّانها أوكتافيوس تبلغه بأنها أقدمت على الانتحار، مما دفع الطاغية الذي كان موجودًا حينها في القصر على إرسال أحد حراسه للتأكد من الأمر فوصل الأخير بعد إن فارقت الملكة الحياة!
وتعتبر “بات براون” هذه الرواية مستحيلة منطقيا، إذ تقول: “يفترض في هذه الحالة أن تكون كليوباترا ووصيفتها لا يزلن على قيد الحياة، وأن يتوفر لديهن الوقت الكافي لإرسال الخطاب في اللحظة الأخيرة، فهل كان ذلك ممكنا؟” كلا بالطبع، لأنّ سم الأفعى يؤدي إلى الإصابة بحالة شلل كامل، لذا استبعدت “بات براون” نظرية انتحار الملكة الفرعونية بلدغة الكوبرا، ودرست نظرية الانتحار بالسم ولكن ليس من خلال لدغة أفعى، بل عن طريق وجهة مغايرة استندت أساسا إلى ما قاله المؤرخ اليوناني بلوتارك نفسه وهو أن:”الواقع الذي لا يكاد يعرفه أحد أنّ الملكة كانت تحمل على الدوام سما داخل دبوس تخفيه في شعرها” مستخلص عشبة “الشوكران” المستخدم على نطاق واسع في العصور القديمة.
لكن طبقا لتقديرات “ليو شيب”، الخبير في مركز معالجة التسمم في نيوزيلندا، من أجل قتل ثلاثة أشخاص بهذا السم كليوباترا ووصيفتها، ينبغي استخدام كمية لا يقل وزنها عن 90 ميلي جرام، فكيف استطاعت الملكة اليائسة تعبئة هذه الكمية من السائل داخل الدبوس المغروس في شعرها ودون أن تثير انتباه وصيفتها؟
وبالإضافة لذلك، لم يعثر في المكان على أي قدح أو آنية ربما تكون استخدمت لنقل جرعة السم القاتلة تلك وهكذا كان لزاما استبعاد فرضية “الشوكران” أيضًا.
وهنا رسمت “بات براون” صورة “أوكتافيوس”، ابن قيصر روما بالتبني وزعيم القصر الإمبراطوري الجديد، الذي عُرِف بتعطشه الكبير للسلطة وبقسوته ومكره حيث إنه أزال عن طريقه العديد من خصومه ورات فيه شخصية قادرة على تصفية كليوباترا ومستفيدة منها فالملكة كليوباترا كانت زوجة يوليوس قيصر وأنجبت له وريثا، فضلا عن ذلك لا تزال تحتفظ بحلفاء أقوياء لها في روما، وتتمتع في مصر بشعبية جارفة إذ أنها كانت أول شخصية في سلالتها أتقنت التحدث بلغة فلاحي حوض النيل.
بناء على كل ذلك، توصلت “بات براون” إلى قناعة مفادها أنّ الإمبراطور الجديد “أوكتافيوس” كانت لديه مصلحة كبيرة في تصفية كليوباترا ثم تمويهها بحكاية الانتحار لذا فهي عملية قتل محضة ليس الا!