وملعقة العسل التي تناولتها ذات يومٍ ليس ببعيد.
وضربت أطنابها في أنحاء نفسها من الداخل، فأدمنتها، غيرتها، سممت أفكارها، سحقت روحها، طمست أجمل ما فيها؛ فغدت شخصًا آخر لا يمت لها بأية صلةٍ، شخصٌ لا تستطيع هي التعرف عليه، كانت كلما طالعت وجهها في المرآة تظل تُساءل نفسها عن ذلك الكائن الذي يقبع داخل جسدها، يحمل ذات ملامحها غير أنه… ليس هي حقًا.
كثيرون منكم لم يلاحظوا ذلك التغير الطاحن الذي تستعر نيرانه بجوفها، وربما أعزى بعضكم الأمر إلى تلك الأزمة النفسية التي ألمت بها مؤخرًا، غير أن شخصًا واحدًا فقط يراها كما هي في حقيقة الأمر، يطلع علي مكنون نفسها، يستشعر نبض روحها، يعايش صراعاتها الداخلية، يلفح وهج بركانها قلبه الندي، أنبأها ذات مساءٍ أنها تغيرت، وأنها غدت غير ذاتها القديمة، صارت غريبةً عنها، نائية، بعيدة، قصية، فما كان منها إلا أن ارتعبت، خافت، وانتبذت لنفسها مكانًا شرقيًا؛ أخذت تلمم فيه شتات نفسها، تعاتبها، تقسو عليها، حتى إذا ما فاض أنين قلبها … خرج على شكل عَبراتٍ وجدت لنفسها طريقًا خلال مرآة عينيها، ثم بين لحظةٍ وتاليتها، نهضت، نفضت عن نفسها كل ما ألم بها، وعزمت علي الشفاء من إدمانها الخاص لملعقة العسل هذه، فلا تعجبوا إن أنتم رأيتموها على غير ما عهدتموها عليه، والتمسوا لها عذرًا، فإنها أعراض الإنسحاب تُحيق بها من كل صوبٍ، تكبلها، تشل حركتها، تجثم على أنفاسها، غير أنها تساعدها على أن تُولَد من جديد، وإنه لأمرٌ لو تعلمون عظيم أن يُتاح لكَ أن تُولَد في هذه الحياة مرتين، فأحسنوا وِفادةَ خَلقها من جديد، واستقبلوها كما يليق بقلوبكم النقية، وبقلبها الذي ما عاد يحمل غير ذاك الطهر لطفلٍ يشاهد شعاع الشمس لأول وهلةٍ؛ فيحييه ضوءُها بعد طول ثُبات … ويشع نورًا قدسيًا.
#عبير_مصطفى
#هي_وملعقة_العسل