تجاهل كأنك لم ترَ
ليس الغبي بسيد في قومه * لكن سيد قومه المتغابي
يظن الناس أن اظهار مدى تيقظهم ومدى إدراكهم لكل مايدور حولهم من أحداث، وكيف أنهم لا تفوتهم شاردة ولا تخفى عنهم خافية وأنهم بالكشف عن ضمائر الجميع، وعدم التورع عن مواجهة الآخرين بما اعتمل في نفوسهم، يظنون أنهم بهذا حادوا الذكاء مفرطوا العبقرية وأنهم بعيدون عن الوقوع في فخ الخداع.
ولكنهم للأسف يغفلون عن خلق من أجمل وأنقى مكارم الأخلاق، وهو خلق يطيب لي كثيرا أن أعود بين الحين والآخر للحديث عنه والتذكير به ألا وهو خلق التغافل.
و التغافل هو التغاضي وعدم التركيز على الأخطاء والزلات والهفوات الصغيرة تكرماً وحلماً وترفعاً عن سفاسف الأمور وصغائرها, وترفقاً بالآخرين.
وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه .
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.
و التغافل عن الأخطاء ليس تأكيدا للخطأ أو عدم اهتمام كما أنه ليس سذاجة ولا غباء ولا ضعف إنما هو الحكمة بعينها.
و خلق التغافل من أخلاق العقلاء فهم يتجاهلون أمورا لإنقاذ
الآخرين من الإحراج لأنه لايمكن السيطرة علي كل شيء
و من صفات المتغافل أنه عند وقوع خطأ بدون قصد يمر مرور الكرام ولا يلفت الانتباه إليه فربما ترى عيبا ما في شخص ما ولم يتفطن له الآخرون وأنت ترى أن التنبيه إلي الخطأ سيلفت انتباه الآخرين فينبغي هنا تعمد التغافل.
فما الهدف من تسليط الضوء على عيوب الآخرين إذا لم يكن هناك فائدة من هذا التسليط؟ بل إنني أرى أن التغافل هنا أفضل و أوجب.
وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
من لم يتغافل تنغصت عيشته.
لذلك فقد تعلمت أن أرى وأدعي العمى، وأن أفهم ثم أتغابى.
فالتغافل هو فن لا يجيده إلا الزاهدون.
الزاهدون في استعراض ذكائهم والمعرضون عن فضح زلات الآخرين والمدركون أن جميعنا معرضون للخطأ، وانه لايوجد انسان يخلو من النقص، وأننا كلنا نبتغي الستر من الله.
فما الهدف من إظهار العيوب وفضح المرء أمام نفسه قبل الآخرين.
بل إن التدقيق والترصد ينافي مكارم الأخلاق ويجعل الحياة دوامة من القلق والترقب وقد قيل في ذم هذا الفعل “ما استقصى كريم قط”
أتذكر أن ابنتي عندما بدأت في الصيام كثيرا ماكانت تتسلل للمطبخ لتأكل أو تشرب ثم تخرج كأن شيئا لم يكن وطالما كنت أعرف هذا بل وكنت أراها أحيانا ولم يحدث أن واجهتها قط، بل توالى تشجيعي لها ومدحها على صبرها حتى استقر بداخلها انها فتاة جميلة وتستطيع الصيام بشكل سليم وهو ماحدث بعد ذلك فعلا والحمدلله.
دعونا نتغاضى قليلاً حتى تسير الحياة سعيدة هانئة لا تكدرها صغائر، ولتجتمع القلوب على الحب والسعادة،
فكثرة العتاب تفرق الأحباب .
بقلم ريهام الناجي