” كم أحبك يا أمى”
قالها سامر وهو يستند بأطراف أصابع قدميه على الأرض ليعلو قليلا كي يحتضنني ويقبّلني عندما أهديته تلك الدمية التي زاغت عليها عيناه ، ثم احتضن دميته وانطلق مسرعا ليلعب بها في الحديقة التي اعتدنا ارتيادها مع أصدقائه .
جلست على المقعد المقابل له ارتشف من فنجان القهوة المفضل لدىّ وأتابعه وهو يلعب والسعادة تغمره
استوقفتني نظرات طفلة تحدّق بوجهه ، فوجّهت نظري إليها وحدّثت نفسي عن من تكون هذه الطفلة..
أراها ترمقه بنظرات غريبة …ترى هل تعرفه من قبل !
إنها فتاة لا يزيد عمرها عن السبع سنوات في مثل عمره تقريبا ، لكن ثيابها المرقعة واتساخ جسدها النحيل لا يوحى بمعرفة سابقة بينهما …..
تشكّكت الأمر وتوجهت لمكتب الأمن وعيناي لا تزال معلّقه عليها فحتما هي تريد بولدي السوء .
توجه مسئول الأمن ناحيتها ، وأمسك بذراعها مهددا إياها إن لم تعترف بما تريده من بنيّ فسوف تتلقى أشدّ العذاب
بات الخوف واضحا عليها حتي ارتسم على ملامحها وتشرّب وجهها بالحمرة واخذت الدموع تنهمر من عينيها بلا توقف
أخذ مسئول الأمن يوبخها بلا رحمة معاودا تحذيره لها بأن تكف عن هذا التمثيل وتجيبه عن سؤاله ….ولكنها أجابت بنظرات عينيها التي بادلتها بيننا وبين سامر
أخذ مسئول الأمن ينهال عليها بكلمات موجعة وهي لا تملك إلا دموع عينيها التي تشهد بصدقها وبراءة الطفولة التي تنطبع على تقاسيم وجهها.
محال أن تكون هذه الفتاه سيئة للحد الذي اعتقدته
اقتربت تجاهها … كانت فرائصها ترتعد …. احطت كتفيها بذراعي وطمأنتها إني لم أرد بها سوءا
تحدثت معها بأريحية وسالتها ان كانت راغبه في أن تلعب مع ولدي وأصدقائه لكنها اشاحت بوجهها دلاله ع رفضها والدموع ملء عينيها
فسالتها عن سر نظراتها المتتابعه له … فما كان منها إلا ان عاودت النظر لسامر مرة أخرى دون أن تتفوه بكلمة واحدة
لحظات معدودة وتكشّف لي الأمر .
هي لم تنظر إليه .. بل تشتهي الدمية التي تحويها يداه … صار هذا واضحا أمامى عندما وجدت البسمة ترتسم على شفتيها وهي تحدّق بالدمية التي يراقصها ولدي ويلعب بها مع اصدقائه.
داخلني شعور بالحزن بل وبالمسئولية تجاهها ، فتوجهت مسرعة لبائع الدمى الموجود بالحديقة واشتريت لها واحدة واسرعت نحوها واهديتها إياها
تسمّرت الفتاة مكانها وكأن المفاجأة ادهشتها وجعلتها تعجز عن الكلام ….
لم أستطع أن أصف لكم مدى شعورها
دموع ، ابتسامات عريضة علت وجهها الحزين
كلمات ترددت أن تبوح بها ظنا منها أنها أقل كثيرا مما يجب أن تقوله تعبيرا لامتنانها عن تلك الهديه فوقفت الحروف كالغصة في حلقها ….وآثرت الصمت وتركت نشوتها وسعادتها يبوحان بما يختلج صدرها.
“كيف لهذا الشئ البسيط أن يقابله هذا الكم من الفرح”
…….هذا ما حدّثتني به نفسي
إن نظرات الامتنان التي تشع من عينيها كفيلة بأن تترجم ما يدور داخلها ، فقد علّمتني دون أن تتفوه ألا استصغر شيئا فربما يراه غيري عظيما
أمسكت الفتاة بالدميه ورمقتني بنظرة حانية ثم أسرعت بعيدا تلعب بها مع قريناتها ، وكلما ابتعدت قليلا أراها تدير ظهرها لتلتفت إلىّ ، وكأن لسان حالها يقول :
“أرجوكم لا تنسونا فنحن بحاجة إلى دعمكم” أرى أن هذا كل ما تود أن تقوله
#مشهد_حياة
#رانيا_اللبودي