بقي يومان على انتهاء شهر أكتوبر لعام 2019 وبذلك سيسدل الستار على شهر له مكانة في نفوسنا – نحن المصريين خاصة – وكل من شارك معنا في الحرب مثل سوريا بالجنود والمملكة العربية السعودية بالجانب الاقتصادي وشاركت معنا الأردن والعراق وتونس والجزائر والمغرب وليبيا .
هذا الشهر تم فيه أكبر انتصار عربي عالمي بفن وتكتيك بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السادات – رحمه الله – ومساعدة قادة القوات المسلحة المصرية ضباطا وصف ضباط ومساعدين وجنود.
كانت ملحمة كبرى في الجبهة حيث المناطق العسكرية و خارجها حيث المناطق المدنية، تمنى الشباب والفتيات الذهاب للمعركة لنيل شرف النصر أو الشهادة.
ارتفعت أصوات المساجد والكنائس لاهجة بالدعاء لجيش مصر العظيم ومن يشاركونه ، كان كل الرجال أباء وإخوة وأبناء، وكل النساء أمهات وأخوات وبنيات،
و المشاعر كلها تجسدت بصدق، وكل شخص في مكانه كأنه لبنة في بنيان مرصوص، الكل ثبت وعمل بإخلاص ومن الثبات كانت القوة المؤدية للنصر .
وتجلت مظاهر الوحدة الوطنية في أسمى معانيها وأجل صورها وارتفع الهلال متعانقا مع الصليب.
كنت أنا وجيلي عندنا من العمر اثنا عشر عاما تمنينا الذهاب للجبهة لنقاتل ضد إسرائيل فعملنا ما نقدر عليه وهو تلوين زجاج النوافذ في المدارس والجمعية الزراعية والمستشفى القروي والوحدة المحلية والوحدة البيطرية؛ لاستقبال المهجرين من مدن القناة؛ خشية أن تضاء الأنوار ليلا وتكون كثيرة فيضربها طيران العدو، وكنا نمر ليلا على المنازل المضاءة فنطلب منهم غلق الشباك أو إخفات الضوء .
وكنا في شوارعنا نلعب لعبة الحرب
وكان الكبار الأقوياء منا هم المصريون والصغار الضعفاء هم الإسرائيليون، وكنا نصنع بأعواد حطب الذرة مسدسات لنضرب بها الأعداء.
وكنا نصور الحرب وانتصارناعلى إسرائيل في دفاتر الرسم لسنوات طويلة فاللون الأصفر خلفية للصفحة كلها لون الصحراء مسرح الحرب، وثياب العساكر، ومعه اللون البني لتلوين المعدات العسكرية، واللون الأسود لجزء من الأعلام ولبيادات الجنود وتحديد الصور، واللون الأحمر لتلوين العلم والشهداء والأعداء أيضا،
وكنا نجسد الحرب بصور شتى كالطين على ضفاف النهر، والقوالح والذرة المفرطة على طبق كبير يعلو طبلية وأذكر أني رسمت في غرفتي المبنية بالطوب اللبن آنذاك والملونة بالجير المختلط باللون الأزرق جنديا حاملا بندقيته وضعت على خوزته نجمة مصر، يعتلي ببيادته جنديا وضعت على خوزته نجمة إسرائيل السداسية القذرة متوسلا للجندي المصري أن يتركه، وكأن النظر إلى الرسمة قبل النوم سفر من أسفار الحياة كل ليلة و٠٠و٠٠و٠٠
هذه مشاعرنا وهذا حبنا لوطننا وهذا تجسيده الحقيقي.
وكنا نتخيل الجنود أمامنا رغم بعدهم عنا ورغم عدم التواصل فلا خطابات ولا تليفونات وكان هناك شئ واحد نتأكد منه جميعا هو أن كل واحد منهم وضع قلبه على يده وروحه على جناح طائر.
كانت الأحداث جساما فالمقاتلون لعقوا الحصى؛ لفقدهم الماء وأكلوا العشب؛ لفقدهم الطعام، وتوسدوا أسلحتهم وقت النوم وافترشوا الأرض والتحفوا السماء.
ولم يخيب الله تعبعهم فقد هدموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر الممثلة في خط بارليف المنيع وعبروا قناة السويس وتم استرداد أراضينا المحتلة كاملة ورفعوا علم مصر خفاقا عليها.
وتغيرت خريطة العالم العربي إلى ما كانت عليه سابقا.
علموا أولادنا في بيوتنا وفي مدارسنا وفي جامعاتنا أن هناك دروسا عديدة مستفادة من حرب أكتوبر من بعضها :
~ حسن التوكل على الله وإحسان الظن به سبحانه وتعالى .
~ لابد من الاتحاد لأن فيه قوة.
~ تقدير القادة والرؤساء.
الاستفادة من الخبرات السابقة.
~ حسن التخطيط يؤدي للنجاح.
~ النصر مع الصبر.
~حب الوطن يفعل المعجزات.
~ مصر وأهلها في رباط إلى يوم الدين.
*ذكريات أكتوبر١٩٧٣ م
كتبها : ا. مصطفى شرف
مدير إدارة الخدمات والأنشطة التربوية بإدارة غرب الإسكندرية التعليمية