أكتبُ لكَ رسالتي ويقيني بأنَّك ما اشتقـتني بعد، كما هو حالي معـكَ، فلقاءنا الأخير ليسَ ببعـيد، حيث لا مسافات يمكن أن تفصلنا، كأنَّ كلـينا مقدَّرٌ لـهُ أن يرافقَ الآخر إلى الأبـد.
لستُ بالغباءِ الذي يدفعني لأن أطلبَ منكَ أفولاً لا يلحـقهُ إياب؛ فأنتَ منّـي!
لكنَّني أطلبُ أن ترزِقَ الشوق حقَّهُ ليتربعَ بينـنا ذاتَ مرةٍ بأريحيةٍ حين تنفرجُ عقاربُ لقائنا بدورةٍ زمنيةٍ تستحقُ الحسـاب.
أن تغلّ يدَ ترقرقكَ، وتُشحّ كأنكَ غيـثٌ تستمطرهُ البوادي.
أن تتحلّى ببعضٍ من غروٍر يجعلني أطلبكَ مراتٍ ومـرات، وفي كلٍّ منها يعتريكَ الدلالُ، وتحجمُ عني؛ كأنّني لا أعنيك.
أتعلم مايقولونه بحقِّكَ بسببِ ذاكَ السخاء الفـائض؟!
أعلمُ أنني مسربلةٌ بالعيوب، لكن لطالما عايروني بكَ قبلَ أي عيبٍ آخر، لطالما قالوا أنَّكَ عيبي الأول، وأنكَ جرمي الأكبـر الذي لم أفتأ أرتكبهُ في حقِّ قوتي المزعومة، وكرامتي المنجرفةِ أمامَ سيلكَ حـينَ ينحدر.
أعلمُ أنكَ تطهِّرُ روحـي من دنسِ المواقف، لكنَّـكَ مالـح… مالـحٌ جداً، لدرجةِ تقرح الفؤاد تحتَ وقعِ ملوحتكَ، وازدحامه بندوبٍ تعرفُ كيفَ تقاومُ عواملَ الزمنِ ولا ترضخ للاندثار.
بتُّ أشعرُ أنكَ تقفُ خلفَ أبوابِ عينيَّ، تنتظرُ بلهفةٍ أي طريقٍ لتهبطَ، ما كلُّ هذه الحاتـميةِ التي تتلبسك؟
منذ عدة أيامٍ أتتني رسالةٌ مجهولةُ المصدر، كان يعتليها مدحٌ كثير، لم يشغلني بقدر ما شغلتني تلك الجملةُ التي حرَّضـتني لكتابةِ رسالتي هذه لكَ، لقد خُتم المدح ب << عيبكِ الوحيدُ أنَّ دمعكِ سريعُ الانهمار>>!
أعلمُ أنهُ ليس عيبي الوحيد، وأعلمُ أنَّ المدحَ مبالغٌ فيه؛ لكن دهشتي كانت حين تسآلت من ذاك الشخص الذي قدَّركَ كعيبٍ وحيدٍ لي؟!
أتشعرُ بمدى الأسى الذي يعتريني حين أعي أنك انكشـفتَ على الناس أكثر من اللازم، حتى بات القاصي والداني يعرفكَ؟! أغارُ عليكَ، وأتحرّى يوماً تبلغُ منكَ الحشمةُ فيه أن لا تنزلَ إلا من وراءِ حجـاب، وإذ ما فعلتها وأتيت رغمًا عن إرادتي، فكن خفيفَ الزيارةِ، عديمَ الأثر.
ليسَ من العدلِ في شيءٍ أن تكونَ بكل هذا الجبروت؛ تأتي رغمًا عني، ثم تتركُ عناوين صريحة تعلنُ لمـن لم يركَ أنكَ مررت من هنـا!
تجمَّل ببعض الكرم وارحمني، فأمي التي كانت تنصرني عليك حين تتكاثرُ علي، ثم تخبرني أنكَ أثمنُ من أن تؤخذَ فـيء لحروب المواقف، بعد أي ضربة من حسام الكلمـات ؛ بتُ أداريكَ عنها.
لكنَّك ترفضُ إلا أن تتركَ لها أثرًا يثير في عيونها التساءل.
والدي…ذاك الذي كـانَ يفضلُ الابـتعاد كي لا يراك ثم يجاريني بما أريد تحت وقع سلطتك عليه، أبـتعد اليوم أكثر من اللازم.
كلاهـما كانا يخبراني بطريقة ما أنك ثمينٌ جداً؛ فأحتفظ بثمنك لأجلهما حتى وإن تجاهله الآخريـن.
تذكر دائماً كلمات أمـي، وسلطانك على أبـي.
طفلـةٌ أنا في حضرتكَ، طفلـةٌ أحبها لأنها أنـا… لأنها تعبرُ عن نفسها -عنـي أنا- بأريحية؛ لكننـي أندم بعد ذلك.
الطفولةُ في هذا العالم غدت كما أنت… عيـب.
فدارِ نفسكَ عنهم، وارحم كبريائي، وتغنّى به ملتزمًا مكانكَ، متخليّاً عن سيولك التي أرهقـت وجنتي.
أريدُ قوتـي المزعومة، وصلابتي التي لانت تحتَ وقعِ حرارتـك.
ألا فراقًـا يتخـمهُ الشـوق يادمـعي؟!
# أبـد_الحاج