استيقظ الوسط السكندري بشكل عام والجامعي بشكل خاص منذ أيام، على أمر غريب بعض الشئ، إذ أن استغاثة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب رئيس الجمهورية بإنقاذ أستاذة جامعية.
لم تكن الاستغاثة لإنقاذها من تعنت رئيس الجامعة مثلا معها في نشر بحث علمي لها، أو تضييق عميد كليتها عليها بسبب رأي أو نشاط .. بل كانت الاستغاثة لحماية مأواها الوحيد من الضياع، حيث تبيت في سيارتها هى وابنها الوحيد الطالب بالمرحلة الثانوية!، بعد أن تعرضت – الأستاذة الجامعية – للنصب والطرد من محل سكنها الوحيد!
فُجِعتُ شأني شأن الكثيرين من المحسوبين على الوسط الثقافي بالثغر، إذ إن كان هذا هو حال ما يتعرض له الأستاذ الجامعي، فكيف يكون حال بسطاء المصريين المتعاملين يوميا مع مقاولي البناء وشركات الاستثمار العقاري، في غيبة مشوبة بالتواطؤ من الأجهزة المنوط بها حمايتنا جميعا من مثل هذه الأمور؟!
وتساءلتُ .. ألهذا الحد بلغ حجم الانحدار الذي ينحدره مجتمعنا إلى هاوية لا يعلم نهايتها إلا الله؟!!!
تعود الواقعة المؤلمة التي تعرضت لها الأستاذة الدكتورة نهلة سعودي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية، عندما اشترت شقة من شركة استثمار عقاري مشهورة، يترأسها شخص يدعى (خالد ع. م.)، وذلك منذ عشر سنوات. واستلمتها العام الماضي، وتسكن فيها منذ استلامها هى وابنها.. لكنها فوجئت مؤخرا، أن نفس الشقة قد تم بيعها لعدة أشخاص، وأن ثمة نزاع قانوني عليها .. وتكون الصدمة أن الشخص رئيس الشركة، نصاب ومحكوم عليه بما يتجاوز (ألف عام) مجموع أحكام قضايا النصب التي أدين بها، وقد تم ضبطه أواخر العام الماضي، ويقبع خلف القضبان الآن!
تكتمل المهزلة، عندما تجد الدكتورة الضحية، أن محامية النصاب، هى شقيقة أحد أعضاء هيئة من هيئات الدولة السيادية، وأن هذا الشخص – شقيق المحامية – هو نفسه أحد المتنازعين مع الدكتورة على ملكية الشقة!
لتبدأ حلقة أخرى، وأشد خطورة وغرابة، من حلقات مسلسل النصب الذي تتعرض له الدكتورة، ومعها أكثر من 300 مشتري في هذا المشروع .. إذ تزاوج هنا النفوذ المبني على سلطة عليا في الدولة، مع فساد رجل أعمال (وربما كان رجل الأعمال مجرد كحول يدير أموال هؤلاء المنتمين لبعض سلطات الدولة)!
فوجئت الدكتورة نهلة، فور ظهور السيد عضو الهيئة السيادية، منافسا لها على ملكية شقتها، بصدور قرار محامي عام سيدي جابر، بـ(غل يد الطرفين) برغم أنها تقيم فيها وحدها دون الطرف الطرف الآخر، وأن عقد ملكيتها للشقة يعود لعام 2008 في حين عقد (معالي) المتنازِع معها يعود إلى عام 2017.. ورغم حيازتها لمستندات وعقود موثقة تثبت صحة موقفها القانوني، وفي ظل عدم صدور حكم محكمة بطردها!!!
وجاء معالي السيد – الذي لا يمكن أن أستبعده من شراكة النصاب في نصبه -، لتنفيذ قرار النيابة – بنفسه -، ومصطحبا معه، قوة من الشرطة، وتم طرد الدكتورة من محل إقامتها بالقوة، مما اضطرها للمبيت في سيارتها هى وابنها، لعدة أيام، إلى أن تمكن الأهل من تدبير مكان يأويها هى وابنها، ويسترها ويقيها افتراش الشارع!
نحن إزاء مأساة حقيقية، إذ كيف لمن ظل يبحث ويتعلم ويعلم الطلاب، كيف يكون المجتمع سويا، وما هى ظواهره السلبية والإيجابية، كيف له أن ينظر إلى طلابه وقد بات عاجزا عن الإتيان بحقه في دولته التي ترفع شعار القانون؟!
أختم مقالي المأساوي بمقتطفات من استغاثة الدكتورة نهلة برئيس الجمهورية، ببعض التصرف، علها تجد من يسمعها، وينصرها، وكلي ثقة أن ثمة شرفاء لازالوا موجودون في أروقة هذه الدولة، رغم ما تفشى بها من فساد لا ينذر بمحمود العواقب.
«…. هل يرضيك يا سيادة الرئيس أن دكتورة بالجامعة أفنت عمرها في خدمة جامعتها وطلابها، تنام في الشارع؟ وتتركها فريسه لمافيا فساد إداري كبير ومتورط فيه بعض أفراد أجهزة الدولة وبالجهاز المحلي للدولة؟!
انقذني يا سيادة الرئيس .. انقذ امرأة تلوذ بك من بعد الله من هذا المصير الأسود في عام المرأة.
انقذ أم لطفل هى العائل الوحيد له.
انقذ دكتورة جامعية لا تستطيع أن تقف أمام طلابها لتقول لهم أن الفساد في بلدي ارتفع صوته حتي طغى علي أهل الحق.
إنها استغاثة إلى معالي رئيس الجمهورية وإلي معالي رئيس الوزراء وسيادة وزير العدل وسيادة وزير الداخلية وسيادة وزير التعليم العالي … انقذوني من هذا المصير الضبابي.
أنا على ثقة يا سيادة الرئيس بعد ما حاربتَ وحاربنا معك الفساد والظلم .. أن العدل سوف يجد لدى سيادتكم نصره ولدى كل صاحب حق في شعب مصر العظيم ولدى كل صاحب قرار نزيه شريف علي أرض مصر.
أرجوكم انقذوني استحلفكم بالله،،،
دكتورة/ نهلة إبراهيم سعودي»
لا أجد سوى أن أضم صوتي لصوت الدكتورة نهلة، مطالبا الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته الحاكم الأعلى لهذا البلد، أن يغيثها وينتشلها من مصير بات أسوأ من أن يرتضيه هو لأي مواطن مصري، ولا سيما من في مثل مكانتها العلمية والمجتمعية.
ونحن نتمسك في الدفاع عن حق الدكتورة في إنصافها القانوني، وتمكينها من استعادة حقها المغتصب، فنحن نتمسك في الأساس بمصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تعلي من الدستور وترتكز على احترام القانون والمساواة وعدم التمييز، وطنا لكل المصريين، يتمتع فيه الجميع بالعدل المطلق، ولا أحد فيها فوق القانون بوظيفته أو صفته أو هيئته السيادية.
حفظ الله مصر وشعبها،،،
عبد العزيز الشناوي
19 فبراير 2018