كان أبي يقول دوما “إن الجليس الصالح خيرا من الوحدة، والوحدة خيرا من جليس السوء”.
لذلك تعلمت منه قيمة اختيار الأصدقاء، فالبرغم من عزلته لكنه كان صاحب فطنة في إختيار الأشخاص، لذلك تعلمت أن الأشخاص الذين أحيط نفسي بهم لابد وأن يكونوا انعكاسا لشخصيتي، لذلك جاهدت كثيرا بأن أحيط نفسي فقط بالأشخاص المستقيمين وذوي المباديء عملا بالحديث النبوي “المرء على دين خليله”، فهو لا يقصد “بكلمة الدين” الشرائع السماوية ولكنه يقصد طريقه الحياة والتعامل مع الناس والمصاعب.
فالتعاملات بين البشر دين، والحب دين ولين القلب دين كما يقول مولانا محي الدين بن عربي “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبة، فالحب ديني وإيماني”.
رغم معرفتي كل ذلك لكنى لم انجح في اختيار “خليل قلبي” رغم تكرار محاولاتي اكتشفت أن الابتعاد قاتل وخاصه لو كان حبيب مزيف ولكنه افضل من الإقتراب بلا تقدير.
فالبرغم من أن شعور الوحدة من أصعب المشاعر الإنسانية وخاصه لو فرضت عليك إجباريا.
وبالرغم من كرهي للوحدة ومحاولاتي الدائمة بأن أكون اجتماعيه بدلا من انطوائيتي بفضل أمي التي كانت تقنعني دوما بأنى ملكة مميزة لا أحتاج “خليلا لقلبي” لأنه لا أحد يستحق تلك المكانة إلا قيصرا مميزا يليق بي، وطبعا كحال كل الأبناء كنت اخدع بعامة القلوب.
لذلك اخترت العزلة بإراداتى وأنصح بها لأنها أكثر راحة، لعلهم فالبعد يتعلموا قيمتنا ولكن للأسف، أن الشخص الوحيد الذي يقدرك هو نفسك ولا يمكنك أن تجبر أحد على حبك او تقديرك، لذلك نحتاج أحيانا إلى الوحدة أو ندعي ذلك لنقترب من أنفسنا أكثر.
تقول إليف شفق، “الوحدة والخلوة شيئان مختلفان، فعندما تكون وحيدا.
من السهل أن تخدع نفسك ويخيل إليك أنك تسير علة الطريق القويم.
أما الخلوة فهي أفضل لنا لأنها تعني أنك تكون وحدك من دون أن تشعر أنك وحيد.
لكن في نهاية الأمر، من الأفضل لك أن تبحث عن شخص.
شخص يكون بمثابة مرآة لك.
تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقا، إلا في قلب شخص آخر.
وبوجود الله في داخلك”
لذلك الخلوة أو العزلة الاختيارية أفضل بكثير من الوحدة الحقيقية لأن التعريف العلمي للوحدة هو أنك كإنسان لا أحد يهتم بك وليس الشعور المجرد بأنك تعيش وحيدا.
لذلك اعتمدت البلاد “السجن الإنفرادي” نوعا من أنواع العقاب بل إنه أقسى أنواع العقاب والتي تجرمه القوانين الدوليه لما كان له من تأثير قاسي على النفس حتى أنه ثبت علميا بأن الوحدة تؤدي لضمور وتلف خلايا المخ لو استمرت فترات طويلة قد تؤدي للوفاة.
وبالرغم من وصول المتصوفة لحكمة الاعتزال والوحدة وفضلها على ارتقاء النفس وشفائها بدلا من مخالطة الخبثاء.
وكما قال محمود درويش، “الوحدة مؤلمة، لكنها أفضل بكثير من الذين يذكرونك فقط وقت فراغهم”.
لذلك يجب أن نتعود على الوحدة ونصادق أنفسنا عزلة اختياريه تعتبر ثراءا للنفس بدلا من وحدة إجباريه تفقر الروح، فحكمة الولادة للحياة وحيدا والمغادره بنفس الطريقة لم تأتي من فراغ.