ظاهرة غريبة علي مجتمعنا وعلي شخصيتنا المصرية أنتشرت في الأونة الأخيرة وبشكل ملحوظ .. فأصبحنا نري الموت علي قارعة الطريق بدأت القصة بإتصال إحدي سكان منطقة التوفيق بمدينة نصر تدعي “مريم محمد” تستغيث قائلة “جثث الكلاب والقطط في كل مكان”، فوجب علينا البحث والتدقيق في تلك الحادثة.
مدام مريم محمد مدينة نصر منطقة التوفيق منطقة (الضباط) تروي لنا “تعودنا علي إطعام القطط والكلاب في المنطقة، ولكن لاحظنا منذ فترة عدم وجود القطط والكلاب والموجود منها إما ميت أو يعاني حتي الموت، والعديد من الجيران لاحظوا ذلك وتشاورنا فيما بيننا عن الأسباب، وأكتشفنا وجود حملة من أتحاد السكان في منطقة التوفيق (الضباط) عن طريق جروب للسكان بالمنطقة عبر الواتساب وبمتابعتهم وجدتهم يناقشون منذ شهور القتل الرحيم للحيوانات، فقاطعتهم هل يوجد قتل رحيم أو غير رحيم للحيوانات القتل قتل، خاصة أن سبب وجود الكلاب والقطط بكثرة هو أكوام الزبالة المنتشرة بكثرة ووجود غربان لدرجة خوف سكان المنطقة من النزول في الشارع منها، ولكن أعترضوا بشدة قائلين: لقد تم الإتفاق بين السكان وانتهي الأمر.
فبدأت بالتوجه لصفحات إنقاذ الحيوانات عبر الفيسبوك فوجدت العديد من سكان المنطقة يتبادلون صور للحيوانات التي تعاني من أعراض تسمم بالمنطقة ويطالبون لجان الإنقاذ بالتوجه السريع للمنطقة .. وبالتواصل مع ميرال المتبنية هذا الموضوع عبر صفحتها علي فيسبوك قالت إن قتل الحيوانات يتم بسم محرم دوليا اسمه الأستركنين .
حاولت مريم إقناعهم بكافة الطرق فرفضوا وقرروا جمع تبرعات وكان شعارها “نقتل القطط والكلاب لنرتقي بمنطقتنا” ومهددين الجميع أن الحي هو من يقوم بذلك وأن أي تدخل في عملهم يمثل إعاقة موف عن تأدية دوره، توجهت إلي حي مدينة نصر للأستعلام عن هذه الحملات وقدمت طلب لوقف القتل الجائر للحيوانات بهذه الطريقة برقم 91589 بتاريخ 6/5/2018 في محاولة منها لمنعهم.
وبالبحث وجدنا طلب مقدم من اللواء/أحمد إبراهيم السروجي مدير صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة إلي السيد اللواء طبيب بيطري/ إبراهيم محروس رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية يطلب فيه تكثيف الحملات للقضاء علي ظاهرة الكلاب الضالة لما تسببه من ضرر للسكان والأطفال وعلي أساسه تم جمع العديد من التبرعات من السكان لجلب طعام ووضع به السم لقتلهم.
أكدت دكتورة هنا سعيد الطبيبة البيطرية أن سم الاستركنين الذي تلجأ إليه الهيئة البيطرية التابعة لوزارة الزراعة هو عبارة عن مادة قلوية يتم تحضيرها من بذور نبات (جوز الهند). وإنه كان يستخدم كمبيد للقضاء على الآفات والحشرات الضارة والفئران التي تعيش تحت التربة، عبر وضعه في حفر يتراوح عمقها 10 سنتيمترات، وهو ما يخالف – بحسب الطبيبة – للكيفية التي يستخدمها أطباء وعمال الهيئة البيطرية في حملات الكلاب الضالة، تقول هنا “يتم إحضار أجنجة الدجاج ومضبوطات اللحوم الفاسدة وخلطها مع الاستركنين القاتل، وإلقائها في الشارع بشكل عشوائي”.
وأضافت هنا سعيد أن الأستركنين يسبب تشنجات رهيبة وهزات وتقلصات للعضلات، إلي حد أن العضلات تتمزق وتؤدي إلي ألم لا يوصف، وبعد ساعات من التعذيب والمعاناة التي لا تطاق، يسبب الموت بشلل التنفس وبرئه تحترق من أجل الأكسجين”.
وأكدت الطبيبة أن الكلب العقور (المسعور) لا يأكل، وبالتالي فالسم الذي يلقي في الشارع وبشكل عشوائي لا يقتل غير الكلاب الضالة التي لا تشكل خطر رهيب كما يشاع، حتي وإن أردنا التخلص منها لا يكون بمثل هذه الطريقة البشعة وبسم محرم دوليا فقط “أحسنوا القتل” كما وصانا رسولنا الكريم، وعن الحلول أضافت “نستطيع أن نعقم الحيوانات أو نستخدمها في الأبحاث العلمية أو نوفر لها ملجأ أو حتي نصدرها للخارج ففي بلدان تحتاج للقطط والكلاب كالصين فهي عندما تخلصت من القطط والكلاب تعرضت لإختلال بيئي أدي لإنتشار العيد من الأمراض والحيوانات الأخري مما دفعها لإستيرادهم الأن”.
وأكد سامح غزال من سكان المنطقة عبر صفحته علي فيسبوك مخاطبا إحدي جمعيات إنقاذ الحيوانات _الجمعية المصرية لإنقاذ الحيوانات_ قائلا ” إحنا عندنا في مدينة التوفيق مدينة نصر كلاب كتير عايشة في الجراجات والكلاب بتهوهو طول الليل وفي سكان أشتكت من إن الكلاب بتجري ورا الستات والأطفال، ورغم إني من المتضررين إلا إني لا أوافق علي القتل بهذا الشكل البشع.
وعلق غزال أن من يسمون بالبنأدمين دول سمموا الكلاب في الشوارع وشوفت بعيني كلب بيترعش وبيموت حاجة توجع القلب وماعرفتش أعمل إيه غير إني أصور يمكن أنقذ باقي الحيوانات من القتل بأبشع الطرق”.
قال محمد البكري أحد أعضاء حملة إنقذ روح حيوان برئ أن الطب البيطري يرسل حملات بإستمرار وقد تكون هذه الحملة العاشرة بخلاف شركة ولاد طلبه خلال 3 شهور، وأضاف نحرص علي متابعتهم وجمع السم بإستمرار لحماية الحيوانات والأرواح البريئة التي لا ذنب لها”.
أما شيماء رجب أحد سكان المنطقة أيضا أعربت عن غضبها من إنتشار الكلاب وقالت ” أنا وولادي بنتأذي من الكلاب وعددهم كتير جدا، والوضع أصبح مؤرف، وياريت اللي بيحب الكلاب ياخدهم عنده البيت.
وأضافت تغريد صبري إحدي السكان المنطقة أن بعض السكان يعطون أبناء حراس العمارات أموال (20جنيها) لكي يضربون الكلاب بالطوب ورأوس الزجاجات والعصيان، وبالفعل كسروا رجل جرو وضربوا عدد من الكلاب الصغيرة علي رأوسهم ودفنوهم أحياء أمام والدتهم، وبعد أن أختفوا رجعت أمهم لمكان دفن أولادها تنبش الأرض حتي أخرجتهم ميتين.
كما أعرب أحمد توفيق أحد سكان المنطقة عن غضبه ورفضه الشديد لتل الحيوانات بهذه الطريقة، وأنه حاول جاهداً من القتل العشوائي لكن دون جدوي.
أما اللواء حسن إبراهيم أحد السكان والقائم علي رعاية المسجد والحدائق بمدينة التوفيق علمه بجمع تبرعات من السكان لحل المشكلة، ولكنه لا يوافق علي قتلهم بالسم ولكنه يجهل طرق الحل، خاصة وأن من يرفضون قتل الكلاب والقطط لا يقدمون لنا حلول لتفادي ضررهم.
والجدير بالذكر أن علماء الإجتماع يؤكدون أن هنالك ارتباط بين سوء معاملة الحيوانات والعنف الاسري والأشكال الاّخرى من العنف الإجتماعي. و تشير الأبحاث المتراكمة حول الموضوع إلى أن الأشخاص الذين يمارسون العنف مع الحيوانات من النادر أن لايمارسوا العنف ضد البشر.
أما المختصون في مجال حماية الأطفال والحيوانات قلقون من هذه الصلة حيث يرون أن هنالك صلة بين العنف تجاه الأطفال والحيوانات تربطهم بنوع من الأدامة الذاتية في حلقة من العنف. أحد الأسباب التي تدفع بإتجاه هذه الصلة هو أن الفرد الذي يشهد حالات العنف المختلفة يكون أكثر تعوداً وتقبلاً لها. حيث توضح الأبحاث أن كلما تعرض الإنسان لموقف بمعين بصورة متكررة كلما أصبح أكثر تقبلاً وارتياحاً له.
كما أكدت دكتورة أميرة سليمان دكتورة الطب النفسي أن الأشخاص الذين يمارسون العنف تجاه الحيوانات الأليفة عندما يكونون أطفالاً يكونون أكثر عرضة لإرتكاب جرائم القتل أو أي من جرائم العنف الاّخرى بعد مرحلة البلوغ.
وأضافت سليمان أن نسبة ارتكاب العنف ضد البشر تزداد 5 مرات لدى الشخص إذا ما كان من مرتكبي العنف ضد الحيوانات في مرحلة البلوغ. كما أن هنالك علاقة أوثق بين الأمرين حيث وجد أن أكثر المجرمين عنفاً ووحشية هم من قاموا بأبشع عمليات عنف تجاه الحيوانات في طفولتهم.
وفي مسح إحصائي تم إجراؤه للمرضى النفسيين الذين لديهم تاريخ في تعذيب الحيوانات عن طريق الجمعية الدولية لحماية حقوق الحيوانات، وجد أنهم عنيفون جداً تجاه البشر ايضا فممارسة العنف يولد عنف أكثر بمرور الوقت. حيث أنه أمر تصاعدي: فالأشخاص يرغبون في ممارسة العنف يبدؤون بممارسته مع أشياء يستطيعون السيطرة عليها بسهولة ثم يتصاعد العنف. إن الشخص الذي يشعر بالقوة والسيطرة عندما يصيب الاخرين أو يقتلهم يحاول أن يحافظ على هذا الشعور بإرتكاب أعمال أبشع وأعنف.
وكان قد أكد المهندس أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب في تصريح سابق له، أن الفترة الأخيرة شهدت انتشاراً للحيوانات الضالة بكثرة، وهو ما يحتاج لمعالجة حقيقية بالتنسيق مع جمعيات الرفق بالحيوان، لافتاً إلى أن تعاظم تلك الظاهرة تعد مسيئة للمشهد والصحة والسياحة.
وأضاف السجيني، أنه لا مجال للتقبل بالتسميم الجماعى أو الضرب بالنار، وعلى الدولة الاستعانة ببحث كيفية الاستفادة من ذلك الكم الهائل من عدد الكلاب، موضحاً أنه يمكن الاستفادة منهم بالأبحاث العلمية أو تصديرها للدول التى تستخدم هذه الحيوانات فى مختلف الاستخدامات العلمية.
أما عن حكم الدين في قتل القطط والكلاب فإن قتل القطط أو غيرها من الحيوانات غير المؤذية بدون سبب مشروع وبدون إضرار منها هو حرام يأثم فاعله، كما أنه ينافي ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من خلق الرحمة، ففي سنن النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها، قيل: يا رسول الله ما حقها، قال: يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي بها.
أما إذا كان حصل ضرر من القط فإنه يجوز قتله، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك وأحمد وابن ماجه وصححه الألباني في الإرواء… لكن يشترط لذلك عدم وجود وسيلة أخرى للتخلص من ضرره إلا بالقتل، وقد أفتى بذلك العز بن عبد السلام.
قال في تحفة المحتاج: وكان ابن عبد السلام اعتمده حيث أفتى بقتل الهر إذا خرج أذاه عن العادة وتكرر منه. وقال المرداوي: يجوز قتل الهر بأكل لحم ونحوه على الصحيح من المذهب. الإنصاف.
ويراعى في حالة جواز القتل أن يكون بوسيلة سريعة ليس فيها تعذيب، ففي صحيحمسلم عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته.
تستند الهيئة البيطرية في مصر التي تستخدم سم الاستركنين لقتل الكلاب الضالة، إلى القانون رقم 53 لسنة 1966 والذي ينص على وجوب ضبط وإعدام الكلاب عبر الخرطوش أو السموم، في حال عدم تكميمها وتقييدها بزمام أثناء سيرها في الطرق والأماكن العامة.
غير أنه وبمزيد من البحث، تبين أن الولايات المتحدة حظرت استخدام مادة الاستركنين كمبيد حشري منذ عام 1989، وذلك نظرا لكونه شديد السمية لمعظم الحيوانات الأليفة، وبحسب الجمعية الأمريكية لمنع القسوة ضد الحيوان، فإن ملليميترين فقط من هذه المادة كافية لقتل قطة، و5 ملليمترات منه لقتل كلب أو ماشية.
ويري اللواء إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، أن الخيار الأمثل من وجهة نظره هو استخدام السم المحظور دوليا، لأن استخدام تلك البدائل من التطعيمات والإخصاء أمر بالغ الصعوبة، وبالتالي فإن معتمدا في ذلك على التصريح الذي منحته إياه لجنة تنسيقية أعدها الطب البيطري، والتي أعلنت عدم وجود آثار بيئية أو صحية تترتب على استخدام هذا السم، ما دام يتم تحت إشراف طبي.
وأثناء البحث توصلنا إلي أن العديد من البشر العاديون أو جامعي القمامة قد تعرضوا لحالات من التسمم والقىء والإسهال ونقلوا للمستشفي في حالات خطرة قد تقضي على حياتهم بسبب جمع الأطعمة المسمومة سواء كان لك لمنع الحيوانات من أكلها أو بدون علم أن هذه الأطعمة مسممه كما هو الحال مع جامعي القمامة،ونستدل علي ذلك بورقة بحثية أعدها قسم الموارد الطبيعية بجامعة ميتشجان الأمريكية، كشفت أن الاستركنين علاوة على كونه سم قوي لجميع الحيوانات إلا أن تأثيره يمتد للبشر أيضا عبر الامتصاص الجلدي السريع أو البلع، كما أن استنشاقه قد يسبب الوفاة.
والغريب أن بعض الحالات التي تسممت عندما طلبت عمل محاضر تثبت تسممهم بمادة الأستركنين المحرمة دوليا كانت المفاجأة أن هذا السم غير مدرك ضمن قائمة السموم التي تؤثر علي البشر، وهذا يجعل علاج الامر دون تدخل واضح من الدولة عن طريق سن القوانين وحماية حقوق الحيوان والإنسان علي حد سواء فكلاهم أرواح تستحق أن نحاف عليها.
تحقيق : شيماء طه