قال محمد بسعادة وهو يبتسم :
تم ترتيب كل شيء ، وتم تجهيز البيت من الإبرة الي الصاروخ كما يقولون ، ولا ينقصنا شيء سوي دخول الملكة الي عرشها الجديد…
تذكرت بدور تلك الكلمات القليلة علي لسان خطيبها السابق محمد ، ولكن لا يفيد التذكر الآن ، فها هي الان في طريقها الي بيتها الجديد ومعها ابنتها !!!!
وأخذت تتذكر تلك الأحداث العصيبة للمرة الأخيرة قبل حذفها تماما من ذاكرة حياتها…
تم كل شيء بسرعة غريبة ، من الخطوبة الي تجهيز الأثاث بالنسبة للعريس ، وشراء كل الحاجيات بالنسبة إليها..
لم تكن تعودت ابدا علي ان يسير كل شيء بتلك السلاسة والسهولة ف حياتها ، فلكم عانت من تلك الظروف وذلك القدر الدائم الوقوف ف وجهها وبينها وبين أحلامها …
فهل من الممكن ان يكون قد تصالح القدر معها ….
هل تكون الدنيا قد اعطتها وجهها بعد ان كانت مدبرة منها….
كانت لأول مرة تختار ، وتقرر ، وتقول نعم او لا في شأن من شئون حياتها ، فقد كانت للمرة الأولى مخيرة وليست مسيرة حينما قد قبلت بذلك الشاب محمد خطيبا لها ، لم تكن تعرف عنه سوي ما يعرفه كل اهل القرية ، من أخلاق وعلم وعمل وأدب.
تمت الخطبة علي مرأى وجمع قليل من الأهل والأصحاب وتم الاتفاق علي مدة من الزمن قصيرة وليست بطويلة ثم يتم الزواج …
ضحكت واضحكت الجميع حولها ….
رسمت البهجة والفرحة بين أيامها….
أصبحت ترسم وتلون مستقبلها بين أيادي حاضرها…
وأصبحت الفرحة الواحدة أثنين حينما وضعت أختها طفلتها ، وقد سميت علي أسمها بدور….
ولكم كانت تملك من اسمها الكثير…
ولكن ليس من الحظ الوفير…..
بعد أيام قليلة ، وعلي حين غفلة من الجميع ، تلونت الدنيا بالسواد القاتم ، والحزن القاتل ، وتبدل الفرح المنتظر إلى المجهول القادم…. فلقد ماتت أختها بعد ولادتها بدور بسبعة أيام ، وتذكرت بدور وقتها فقط تلك الكلمات حينما كانت توصيها أختها علي ابنتها ، وضرورة تربيتها جيدا وأنها لابد من توليها ذلك الأمر ، وحينها لم يكن الكلام ذو أهمية بالنسبة لها ، ولم تفكر فيه علي هذا النحو المفاجئ..
وهنا أيقنت ان ما حدث من سعادة لها لم يكن سوي هدوء ماقبل العاصفة.
تعرضت بدور إلى الضغط النفسي الشديد بينها وبين ضميرها ، لم تعد تأكل او تشرب ، نسيت السعادة وانساها الهم والحزن نفسها ، ودائما ماكانت تردد بداخلها الحديث الشريف :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) ….
طوال الثلاثة أشهر الماضية وبدور الطفلة لم تفارق أحضان بدور ، ولم تكن ابدا تلك المدة تكفي حتي تجف منابع دموعها ولا حتي عشرات أضعاف تلك المدة كفيلة بذلك.
وقد كانت دائمة النظر الي الطفلة أنها ابنتها التي لم تلدها
وتتذكر كلمات أمها لها ، وها هي الآن تتحدى أسرتها ، وتضحي برغبتها في سبيل ذلك الحب الأبدي وهو حب الدم ، حب الأخوة ، حب الأهل فوق اي حب آخر..
لم يكن الأمر بالسهولة التي تخيلتها في إقناع أهلها بتلك الخطوة المقبلة عليها ، رغم انها حدثت للكثير في مجتمعنا قبل ذلك ، ومازالت تحدث ، وسوف تحدث ، فإذا عرف السبب بطل العجب..
وقامت بفض ذلك الارتباط بينها وبين خطيبها السابق بدون ذرة تردد واحدة وهي تتمنى من الله ان يبدلها خير من ذلك ، وبعدما استأذن والد الطفلة من محمد كما ينص الشرع والدين علي ذلك ، وتم زواجها الي والد بدور في سبيل الحفاظ عليها ، وتنفيذا لوصية أمها .