ـ جربت كتابة الشعارات فى يناير. كان نصيب أغلبها: الفشل.
وتغير الحال بعد أن دخلت عالم «أمير الساخرين».
كنت أتخيل عمنا (جلال عامر): يذهب إلى كوبرى التاريخ وسوق الجمعة. هناك يفرش الغلابة بضاعتهم البسيطة.
ومنهم يشترى “عمنا” خشباً قديماً .. ينزع مساميرها الصدأة ويضفرها مراكباً .. ويدفعها إلى مياه الأنفوشي.
هكذا كان يمزج آلام الفقراء والمقهورين: بأحلام الصباح.. تعلمت من «عمنا» الكثير .. ونجحت فى نحت الكثير من الشعارات.
وأصبح بعضها هتافاً على ألسنة المتظاهرين.. تولد الشعارات فى ميادين الثورة.. وتصبح جزءاً من الثقافة الشعبية. ولذا فإنها تعود إليها الحياة: كلما خرج «مصري» يطالب بحريته.
ـ كانت كل واحدة من عباراته: براءة اختراع.
دافع فى 14 فبراير 2011م عن إحدى عجائبه.
أجاب ببساطة عن شرعية الرئيس المخلوع: «اختزلوا الحرب فى الضربة الجوية فكتبت منذ سنوات فى صحيفة البديل (ياريت سيادته كان ضربنا إحنا وحكم إسرائيل)، وانتشرت النكتة .. وأطالب الآن بحق الأداء العلني».
كان عمنا إذا لزم الأمر: يرش ماء البحر المالح على جروحنا. لذلك كانت الأساطير تنهار أمام الـ”تخاريف” التي يكتبها عمنا.
كتب فى 14 سبتمبر 2011م: «نظام … مبارك لم يتحول إلى (سابق) مادام صاحبه لم يتحول إلى (سوابق)».
وكانت تخريفته فى حصاد عام من الثورة: «أثبتت الثورة أن الإجهاض يمكن أن يكون بعد الشهر التاسع».
ـ تقول الأسطورة: إذا قامت المظاهرات فى إحدى دول العالم الثالث: فإن رئيس الدولة يعتكف فى قصره. وينشغل بمشاهدة أفلام الكرتون ليريح أعصابه.. لذلك فهو لا يعلم بما حدث فى المظاهرات من إطلاق نار وقتل… فى فيلم «أمير الإنتقام»: يثور الشعب ضد (بدران) قائد الشرطة. ويطل علينا الأمير حاكم البلاد: البشوش طيب القلب طاهر اليد. لم يتغير الحال: بعد أن تغير اسم الفيلم إلى «أمير الدهاء». وأصبح (أبو شوقي) بطلاً مكان (آآآآنور) كما كانت تنطقها الجميلة (صباح).
وفى 14 يناير 2014م: كانت شهادة الأستاذ (إبراهيم عيسى): «بالقطع لم يوجه مبارك جهاز الشرطة إلى قتل المتظاهرين، لأنني لم أتصور رئيس مصري وطني أن يفعل ذلك أبداً».
ـ فى أفلامنا: الأمير أو الزعيم لا يأمر بالقتل أو التنكيل. تكفيه عبارة (إستيفان روستى) الشهيرة: «فسحووووووووه».
فى 2 نوفمبر 2004م: كانت فُسحة الأستاذ (عبد الحليم قنديل). تم ضربه وتجريده من ملابسه جزاء جرأته على (الكبار).
وفى سيارة حملتهم إلى الصحراء: كانت فُسحة د. (عبد الوهاب المسيرى) ومعه السيدة زوجته وثلاثون آخرين، كانوا يتظاهرون فى 17 يناير 2008م ضد التوريث ويحملون راية (كفاية).
بعد مرحلة «فسحوه»: اخترع (فؤاد المهندس) شفرته. وانتشرت (السنجة فى الرنجة) فى سلسلة أفلام (مستر إكس).
مع الانفتاح كانت (الرُمانة) فى فيلم (المولد).
وأخيراً ظهرت العبارات الشيك: التى تتناسب مع السلخ والذبح بأقل مجهود. من هذه العبارات: (تعامل مع الموقف بالحزم المطلوب) أو (عايز عملية نضيفة).
ـ فى جمعة حزينة وافقت 10 فبراير 2012م: انهارت «تخاريف» عمنا.
أُصيب أمير الساخرين بأزمة قلبية. ومكث بعدها يومين يودع شط الهوى: إسكندرية.
كانت أسطورة الإعلامى (توفيق عكاشة) قد نمت. واحتشد له يومها: الآلاف فى ميدان رأس التين. وانطلق بعدها المئات يحملون أسلحتهم البيضاء. كان هدفهم الاشتباك مع أنصار الثورة.
شاهدت من يحمل شواكيش ومفكات ومبارد حديد. كأنهم خارجين من ورش نجارة وحدادة.
لاحظت أن البعض كان منهمكاً فى تصوير وجوهنا.
كان أحدهم يرتدى جلباباً بلدياً. وعيونهم تخبرنى أنهم فى مهمة محددة.
لم يكن يعنيهم شىء من دماء المصريين.
هنا أطلق عمنا (جلال عامر) آخر تخاريفه: (المصريون بيموتوا بعض).
كان الهلع من المواجهة قد أصابنى بالصدمة.
وكنت أجر رجلي كي ألحق بالمنسحبين إلى محطة الرمل.
وكانت المرة الأولى: التي عرفت فيها طعم الإحباط!
على عيش وملح: نلتقي
#يناير_وموجاتها_الثورية 5