الثراء والمال من أهم مقومات الحداثة في الأمم وتعد نعمة عظيمة إذا استغلت جيدا، ونقمة إذا علت صيحات الطائفية العرقية اللون والنسب والدين واستغل المال كوسيلة للإذلال .. وكانت مصر منذ أن أنارت شمس الوجود وجهها المشرق مكينة جيدة الصنعة للصهر ويذوب في ترابها جميع الفواصل والفوارق بين البشر وتحتضن أرضها جميع الجنسيات والأعراق حيث احتضن نيلها الخالد جميع الحضارات… وفي ذلك قال فيها شاعر العراق مهدي الجواهري: “إن كل شئ عندها يتمصر … حتى الطبيعة لديها تتمصر”
وللأسف فتغير الانسجام البيئي بين نسيج هذا الوطن حدث من خلال ما يسمون أنفسهم بالوطنيين في مصرنا الحبيبة، وللأسف انتقلوا إلى مرحلة جديدة لتخوين الآخر، أصبح كل معترض على قرار أو سياسة معينة خائن… بدأت دائرة التخوين بالسياسيين ثم رجال الدين وانتقلت للتجار ورجال الأعمال، ثم الجشعين ثم المواطن على أرض هذه الدوله فيما يتمثل في أصحاب المحلات والشركات، ثم فئات وظيفية مثل الأطباء والصيادلة، ووصلنا حتى جميع المهن.. وذاب التجانس المجتمعي، وبدأت الفواصل والتفرقه.. الغني والفقير، المسلم والمسيحي، السياسي الحزبي والسياسي المستقل.
الخطر هنا هو تغذية روح الطائفية والعنصرية في مجتمع بالأساس روابطه أصبحت هشة بفضل عوامل عديده .. ولمجرد التفكير في السؤال لماذا كل هذا؟ تجد الإجابة لمجرد الاختلاف السياسي وليس الوطني.
ولسنا بحاجه لسرد تاريخ رجالات الحركة الوطنية في مصر من أيام المملكه المصريه، وما استطاعوا الوصول له من نبذ الطائفيه والعمل على توحيد الصف؛ ولن ينسى التاريخ من هم من ذوي الأصول غير المصرية، وإسهاماتهم في شتى المجالات، والقارئ لتاريخ مصر يعلم ذلك جيدا، ولا يخفى علينا المفردات الأجنبية التي تم تمصيرها.. ولا محتاج تجيب نماذج قبطية مصرية خارج القطر تضيف لمصر.. إن الفساد الأخلاقي غير مرتبط بفئة محدده.. ولا محتاج تدخل في سفسطائية مع القائل بأن أيادي الهدم كثيرة طيب ما تقطع الأيادي دي بالتشريعات والقوانين.. وأولئك الذين ينسبون كل مجد إلى شخص زعيم وكل نقيصة إلى رئيس، فإذا كان المجد للزعيم والنقص إلي الرئيس فما حيلة الشعب في ذلك.
الشعب يؤمن ببعض ما يحكم إقليمه من عادات، لكن لا يقر العنصرية والفوقية والتسامي بناء على العرق، ويؤمن بأن العيش المشترك والقبول هو سبيلنا للنجاة جميعا.. أنت مش محتاج تسرد تاريخ مصر منذ فجر التاريخ فهو موجود ومحفور بأمجاد أولادها، لكن محتاجين نعرف إحنا مين.. ونحفر التاريخ في عقول أولادنا.. ونفهم إحنا فين ولفين رايحين، وهنا كان دور العظيم أسامه أنور عكاشه في واحده من أروع قصص الدراما العربية والعالمية، حينما كتب قصة المسلسل “أرابيسك”، وفي آخر مشهد من مشاهده وفي آخر جزء من الرواية، يتكلم المؤلف على لسان الفنان العظيم صلاح السعدني في دور الأسطى العبقري “حسن أرابيسك”، وهو داخل محبسه ويسأل جموع من المصريين إحنا مين؟ وعايزين إيه؟ لأن الترقيع ماينفعش، ويترك المؤلف الإجابة لكل منا، النهايات الغير متوقعه كما عودنا المؤلف وانتظاره للاستنتاجات من خلال ردود أفعال المشاهدين، وعلى كل مصري فوق هذه الأرض وتحت سماها أن يختار الإجابة التي يريدها دون التأثير من المؤلفين.
وأنا كمواطن، أؤمن أن يد الدولة يجب أن تعلو الجميع، وأن المواطن الذي يرفع طلبه إلى الدولة ممثلة في حكومتها خير من ذلك الذي تلتقطه جمعيات الإعانة الدوليه الموجهة أيديولوجيا وسياسيا لإذلال وإرباك الشعب.
وتحيا مصر بأسامه أنور عكاشه، بنجيب الريحاني، وبديع خيري، وشوقي، وحافظ، وفريد، وعبدالوهاب، وقاسم أمين، ومجدي يعقوب، ومحمد غنيم، وخلي القوس مفتوح عشان (المصريين) من النوعية دي كتير.
هشام عبدالوهاب
– مسئول خدمة العملاء بجهاز حماية المستهلك