شاءت الشياكة إنى ألبس حذاء بكعب عالى من كام يوم.. كنت بعمل شوية مشاوير.. مشيت بيها فى شوارع العاصمة.. وعانيت معاناة مهولة.. الشوارع رهيبة.. حتى فى أرقى المناطق مش ممهدة.. وتحولت مشيتى لرقصة باليه مائى.. قفزت لذاكرتى وقتها صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى من فترة، من إنجلترا وبلاد الفرنجة، لأماكن محددة فى الشارع، عملوها لموطئ قدم كل أنثى بتلبس كعب عالي.. عشان متتعبش أو متقعش، وفى نفس الوقت تلبس اللى هى حاباه وبيعبر عنها وعن شخصيتها.. وعن أنوثتها.. الصورة دى قتلتني لما شوفتها، لأنه قد إيه بيفكروا فيها كأنثى، وفي كل دقيقة من دقائقها بمنتهى التقدير!
الفكرة دى سحبتنى لأفكار أخرى كتير.. بلادنا لا تراعى أنوثة الأنثى على الإطلاق، ولا أى اعتبار خاص بيها من الأصل.. بدءاً من تواجدها فى المجتمع ده كشريك أساسي، وأحيانًا كثيرة، مُعيل كامل للشريك الذى لا يعمل ولا يكفل بيته ولا أولاده.. شريك حامل الهم، وشايل شايل شاااااايل لأقصى درجة حمل الدنيا كلها فوق كتافه بلا كلل ولا ملل.. شريك موقع ومن اللحظة الأولى فى الارتباط لعقد تنازل عن حقوقه فى الحياة، من ترفيه ودلع واهتمام واحتواء واكتفاء، وملتزم بعقد التزام بكل أنواع الأحمال، بدءاً من تربية الأولاد وإدارة شئون الأسرة والبيت، ونهاية باستفزاز رؤساءها فى العمل ليها ولومهم ليها باستمرار على تقصيرها الفظيع فى عملها إن وجد، وكأنها قادمة للتو من أكثر الأماكن ترفيهاً وسعادة في العالم رأساً إلى عملها!!!
لا أحد يحاول مراعاة الله، ولا بيفكر فى أى مصاعب بتتحرك الأنثى وسطها من لحظة خروجها من بيتها لحد ما توصل لعملها.. وهنا حدث ولا حرج.. لو سايقة فهى معاها رخصة عشان تتهزق وتسمع كلام من كل خلق الله من عديمى الرجولة وأشباه البني ادمين.. معاها رخصة مفتوحة تستحمل سخافات كل اللى سايقين حواليها.. معاها رخصة بتحكم عليها من اللحظة اللى بتقعد فيها ورا الدركسيون إنها مبتعرفش تسوق وإنها نازلة تعمل كوارث فى الشارع.. مع إن نظرة على أبسط الإحصائيات اللى معمولة فى مراكز بحثية معترف بيها، حنلاقيها بتقول إن سواقة الستات أكثر أماناً لأنهن أكثر حرصاً.. وإن أكبر نسب الحوادث بتكون نسب حوادث الرجال وليس النساء، لكن اللافت للنظر هنا، هو فرض منطق القوة، ولو كان فى مفهوم خاطئ أو مضلل تحت شعار.. (هو كده)!!!

لو كانت نازلة من بيتها بقى وحتركب مواصلات عامة أو حتى خاصة.. فحدث ولا حرج.. سواء كانت من الكتلة اللى فى مجتمعنا حيث يركب الزوج العربية اللى دفع فيها كل اللى حيلته، وتتشعبط المدام فى الأتوبيسات عادى ولا يهز رجولته فى شيئ.. طبيعى يا جماعة.. أو كانت من الكتلة اللى مادياتهم لا تسمح أصلا بشراء عربية، فالإتنين بيتشعبطوا بقى الزوج والزوجة.. المعاناة اللى بتعانيها الأنثى فى رحلتها من البيت للعمل والعكس معاناة تتسجل فى مجلدات.. بدءاً من مراقبتها وتفحصها والتحرش بيها، وحتى لومها على نزولها من بيتها أصلا!.. مجتمع محتقن نفسياً ويحتاج علاج.. وبدلاً من البحث عن علاج.. نرمى بكل إحباطاتنا ونفجر كل خيباتنا اللى مش عارفين نلاقيلها حل فى الكائن الأنثوى اللى اسمه الحركى فى مجتمعنا.. الحيطة المايلة!
لما حد بيقول “رفقا بالقوارير” ويردد الأحاديث اللى سيد الخلق – عليه الصلاة والسلام – قالها، بيترد عليه ردود سمجة من سمو الموهوم اللى معتقد والمجتمع مصورله إنه جنس سامي، ويقول: “قوارير؟” هى فين القوارير دى؟ دول جعفر بس متخفى!! … بالضبط يا فندم.. لازم تبقى جعفر، عشان ملقتش راجل يشيل عنها.. لازم تبقى جعفر عشان لو عملت فيها أنثى تتفهم غلط، وكل اللى حواليها يقولوا عليها شمال!.. لازم تبقى جعفر عشان عايشة دور الأم والأب والمدرسة والممرضة والمكوجي والشغالة.. والميكانيكي والنجار والسباك والكهربائي لو أمكن، ومطلوب منها فى نهاية اليوم تبقى سوسو المتدلعة وإلا تبقى مقصرة و.. جعفر.. وحتخلى الراجل يبص بره بقى!!!
المعاناة ليست للمرأة العاملة فقط.. لا.. إطلاقاً.. جولة فى حياة أى إمرأة تعمل ببيتها، حتلاقيها متهمة من اللحظة اللى بتصحى فيها من نومها إنها فاضية ورايقة ومرفهة وعقلها سطحي ومبتعملش حاجة فى يومها وجاهلة وطلباتها كتير ومتطلعة وتافهة و.. و.. و..، بالرغم من إنك حتلاقيها شايلة مسئولية البيت والعيلة والصحاب، وعاملة زى النحلة مبتونش، وفى نهاية اليوم تطلع مبتعملش حاجة برضو!!!
النهاردة.. وفى 2017، المجتمع بيحتقن أكتر وأكتر تجاه الأنثى!! بيعلمها تبقى جعفر عشان تاخد حقها.. بيعلمها إن كونها أنثى خلقها ربنا لينة بطبيعتها فده نقص وخطأ وأزمة كبيرة لازم تدفع ضريبتها طول عمرها.. بيعلمها إن ده نقص لازم يتدارى مش هبة من ربنا لازم تحافظ عليها، ولا مانع من بعض الشيزوفرانيا والازدواجية.. إدفعها كمجتمع بكل ما أوتيت للاسترجال وإلعنها مليون مرة إن مارسته.. فهمها إنه غلط لو كانت أنثى ورقيقة ولازم تتنازل عن هويتها الأنثوية.. وذلها بأى محاولة منها للاحتماء وراء ستار من الجد أو القوة لحماية نفسها… إدراك مشوه وأفكار ممسوخة نعيش بها ونتوارثها ونورثها لأجيال بتورث كل تشوهاتنا الخلقية والمكتسبة بداية من (قومى هاتى لأخوكى كوباية المية، وإكويله قميصه).. فتطلع هى عندها إحساس فطري حقير إنها لازم تخدم كل ذكر حواليها .. ويطلع هو حاسس بالتفرد الوهمي!
تُذهل لما تلاحظ إن بعض الأزواج لا يخجل من استغلال كل ذرة دم فى زوجته، كأنها مورد من الموارد بيكرس نفسه لاستنفاذه قبل ما تنتهى مدته الافتراضية، كمية طلبات وهمية، وكمية التزامات عاوزة قبيلة عشان توفيها.. استغلال واضح وصريح.. مشاوير البيت إعمليها – مش فاضية؟ -، وادفعى الغاز والكهربا، وروحى كوبانية المية، في سكتك، ولما ترجعى بقى خدي الوصفة دى إعمليهالنا.. ولو طلعت حلوة خير وبركة، ولو وحشة حيتحفل عليكي لحد بكره!
حتى مقدمي برامج التوك شوز أو الستاند اب… عندما يفلسوا، فلا يوجد إلا المرأة ليقدموا عنها فيديو أو ألش رخيص سداً للفراغ.. والمجتمع عنده أريحية فظيعة فى تقبل ده!
حتى القوانين… فهى حدث ولا حرج، ورغم إنها مؤخراً أنصفت كثيرات، إلا أنها مازالت بها شوائب لابد أن تُزال.. يعنى إيه تبقى الأم هى اللى بتذاكر وتتابع وتودي وتجيب وتتابع العملية التعليمية كلها، والقانون يقول الولاية قانوناً للأب بالطبيعة؟!.. ليه الأم لا تستطيع فتح حساب فى البنك باسمهم، وتبقى وصية على الحساب ده؟!.. حد عنده تفسير؟!!!
المجتمع كله بيدفن راسه فى الرملة، وبيرفض يتناقش وبيهاجم اللى بيناقش الكلام ده.. المجتمع كله بيبصلها نظرة دونية، وفكرة إنها عورة متأصلة فى المخيخ عندهم، إلا من رحم ربي.. عورة لازم تتدارى، أو تتعاقب أو تنكشف وقت ما يحبوا!!!
المجتمع كله مُطالب يسأل نفسه.. بيقدم للأنثى إيه؟ بيحميها ولا بيرهبها؟ بيصونها ولا بيهددها؟ بيشجعها ولا بيحبطها؟ بيدعم نظرتها المحترمة لنفسها ولا بيدفعها لإهانة نفسها بقبول أوضاع لا إنسانية كل يوم أكتر من اللى قبله؟!!!
المجتمع كله مُطالب بأن يشعر أنه يتحول لمجتمع ممسوخ بضغطه على حوا.. يتحول لمدينة أشباح بسحبه الروح ممن تُعطي للروح روح وللحياة حياة وطعم للدنيا كلها.. ومعنى وقيمة لكل شيئ.
ذكرتها من قبل وسأكررها.. رجل واحد مُنصف ومساند للمرأة.. رأيه فى مجتمعاتنا يساوي رأى ألف إمرأة… سيدى العظيم المتحضر المتقى لله حقاً.. ساندها واكشف عن وجهك ورجولتك الحقيقية، ولا تخشى من أشباه الرجال… فسيتوارون فور رؤيتك تساندها، وتفرض فكرك الراقى حولها.. فلتصنع من نفسك حائطاً لصد كثير من الهجمات الرجعية ضدها ولتحميها.
المجتمع ككل مُطالب أن يفكر فيما سيقدمه لها ليعزها به ويصونها به ويحميها به.. عشان تفضل حوا ومتتحولش لجعفر، وبعد كده نرجع نشتكى من تبادل الأدوار والمسئوليات.. المجتمع محتاج يديها فرصة تلبس “كعب عالي” شوية، يعني تتحلل شوية من مسئوليات مش مفروض عليها تعملها كلها.
إنتى كمان.. اقعدى كده عدي المسئوليات اللى إنتى شايلاها، ولما تحسبيها، اكتبى قدام كل مسئولية صاحبها الأصلي، ورجعي المسئوليات لأصحابها يا حوا.. وكُفي عن الاستسلام.. كُفي عن أداء دور جعفر، وتخلى عنه، لأنك حقاً من الداخل حواء.. مش جعفر.