تقوم الإذاعة الدينية في ماليزيا بالإعداد لبرامج خاصة بشهر رمضان؛ محورها السيرة النبوية، وسير الصحابة الكرام، وأحكام الفقه، والتفسير، وتلاوة القرآن، وغير ذلك من المسابقات والمشاركات والفعاليات الرمضانية. ومن معتاد الأسر والعائلات الماليزية تبادل الهدايا والأطعمة والحلويات مع بعضها البعض في هذا الشهر الكريم؛ تدعيمًا لأواصر المحبة والوئام بينها، وتعظيمًا لمكانة هذا الشهر في نفوسها. وتمتلئ المساجد الماليزية في هذا الشهر بالمصلين في جميع الصلوات، ولا سيما في صلاتي العشاء والفجر؛ وعادة ما تقام الدروس الدينية والمواعظ هناك عقيب صلاة الفجر مباشرة، وتستمر تلك الدروس حتى تطلع الشمس، حيث يتوجه الجميع إلى عمله في حيوية ونشاط.
إذ أكثر الناس هناك، وخاصة أصحاب الأعمال، لا يعرفون النوم بعد الفجر، بل يمارسون أعمالهم في وقت مبكر، وخاصة في هذا الشهر. وعند اقتراب موعد أذان المغرب يتجمع الرجال والصغار في المساجد القريبة من منازلهم، في حين تعكف النساء على تحضير وتجهيز طعام الإفطار؛ ومع أذان المغرب، يفطر الرجال في المساجد على مشروب محلي يعدّونه مع بعض التمر، ثم يؤدون صلاة المغرب، ويعودون إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار مع عائلاتهم. ووجبة الإفطار الماليزية تتعدد أنواع أطباقها، غير أن الأرز يبقى هو الطبق الأساس والأهم بين تلك الأطباق، ويكون إلى جانبه اللحم أو الدجاج. وبعد الإفطار يفضل الجميع شرب القهوة الخفيفة أو الشاي. بعد تناول وجبة الإفطار الأساسية، يتوجه الجميع إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح؛ والمسلمون هناك يصلون صلاة التراويح عشرين ركعة في أغلب المساجد، ويشترك في هذه الصلاة الجميع، كبارًا وصغارًا، ورجالاً ونساءً، وشيوخًا وشبابًا. ومع الانتهاء من صلاة التراويح تعقد مجالس العلم، وتنظم حلقات القرآن؛ حيث تتحلق جموع المصلين في حلقات لسماع دروس العلم الشرعي من أهل العلم، وغالبًا ما تنفض تلك الحلقات مع حلول منتصف الليل، ثم يغادر معظم المصلين إلى بيوتهم، بينما يمكث البعض في المسجد لقراءة القرآن والعبادة. ومن عادة المسلمين هناك أن يتناولوا بعد الفراغ من طعام السحور شرابًا يسمى ( الكولاك ) وهو شراب يساعد على تحمل العطش، ويدفع الظمأ عن الجسم في نهار رمضان، ناهيك عن أنه يزود شاربه بطاقة وقوة خاصة تعينه على القيام بعمله وواجبه أثناء الصيام. وتُنَظِّم كثير من المساجد في هذا الشهر مسابقات القرآن الكريم، والمسابقات الدينية في موضوعات العلوم الإسلامية، من فقه وحديث وتفسير…حيث يشارك فيها الكثير من شباب وفتيات هذا البلد المسلم، ويتم توزيع الجوائز والهدايا في احتفال كبير تشرف على تنظيمه ورعايته وزارة الشؤون الدينية، وتُنقل وقائعه عبر وسائل الإعلام كافة . وما زال المسلمون في ماليزيا يحرصون على شخص ( المسحراتي ) فهو حاضر في العديد من القرى والمدن مع بداية رمضان، ومستمر إلى نهايته؛ حيث يقوم بالتطواف في الأزقة، والطواف على الأحياء والبيوت، لينبه الناس للاستيقاظ لتناول طعام السحور، وهو يبدأ نشاطه ذاك قبل الفجر بساعة تقريبًا. والمساجد في العشر الأواخر من رمضان تلقى إقبالاً محمودًا، وحضورًا مشهودًا من العبَّاد والمعتكفين؛ بحيث لا يكاد يخلو مسجد من المساجد هناك من قارئ للقرآن، أو قائمٍ يصلي في المحراب، أو عاكف على عبادة الله. ومع اقتراب شهر رمضان للرحيل، واقتراب حلول يوم العيد، يقوم بعض المتخرجين من المدارس والمعاهد الدينية بعمل لجان في المساجد لجمع زكاة الفطر، ومن ثم يقومون بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين؛ كما ويوزع بعض أهل الخير الملابس الجديدة، وحلويات العيد، والأموال على الفقراء والمحتاجين. كل ذلك يجري في جو أخوي وإيماني، يدل على مدى التكافل والتعاطف بين المسلمين في تلك البلاد، حيث يكون الجميع في غاية السعادة والفرح مع قدوم عيد الفطر. وكما ذكرنا بداية، فإن في دولة ماليزيا طوائف غير مسلمة، وهي في عمومها ترعى للمسلمين حرمة في هذا الشهر؛ فهي لا تأكل جهارًا في نهار رمضان، ولا تقوم بممارسات تجرح مشاعر المسلمين، بل وأحيانًا يشارك بعضُهم المسلمين في أنشطتهم الرياضية، وفعالياتهم الترفيهية التي تقام هنا وهناك من أرجاء تلك البلاد. ويعتبر المسلمون هناك هذه المشاركة وسيلة لتعريف هؤلاء بحقيقة الإسلام وعالميته، وكثيرًا ما تثمر هذه اللقاءات والمشاركات نتائج إيجابية في مجال الدعوة للإسلام.