عبد الرحمن الجوهري يكتب: د. جمال حمدان يكشف عنصرية وطائفية الكيان الصهيونى.. مبكراً

0

فى ذكرى وفاة العالم العبقرى الجليل د. جمال حمدان، وعدم كشف ظروف مقتله حتى الآن.. نتناول جانباً من فكره ودراساته فى كشف وفضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه “اليهود أنثروبولوجيا” الصادر في عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين، ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية “الخزر التترية” التي قامت بين “بحر قزوين” و”البحر الأسود”، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات “آرثر كويستلر” مؤلف كتاب “القبيلة الثالثة عشرة” الذي صدر عام 1976.

يُعد جمال حمدان واحداً من قلة قليلة ومحدودة للغاية من المثقفين العرب والمسلمين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض من خلال رؤية استراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.

فإذا كان الباحث الجليل “د.عبد الوهاب المسيري”، قد نجح من خلال جهد علمي ضخم في تفكيك الأسس الفكرية للصهيونية، فإن “جمال حمدان” كان سباقاً في هدم المقولات الأنثروبولوجية التي تعد أهم أسس المشروع الصهيوني، حيث أثبت أن إسرائيل – كدولة – ظاهرة استعمارية صرفة، قامت على اغتصاب غزاة أجانب لأرض لا علاقة لهم بها دينياً أو تاريخياً أو جنسياً، مشيراً إلى أن هناك “يهود” في التاريخ، قدامى ومحدثين ليس بينهما أي صلة أنثروبولوجية، ذلك أن يهود “فلسطين التوراة” تعرضوا بعد الخروج لظاهرتين أساسيتين طوال 20 قرناً من الشتات في المهجر: خروج أعداد ضخمة منهم بالتحول إلى غير اليهودية، ودخول أفواج لا تقل ضخامة في اليهودية من كل أجناس المهجر، واقترن هذا بتزاوج واختلاط دموي بعيد المدى، انتهى بالجسم الأساسي من اليهود المحدثين إلى أن يكونوا شيئاً مختلفاً كليةً عن اليهود القدامى، في وقت كان الصهاينة يروجون لأنفسهم كأصحاب مشروع حضاري ديمقراطي وسط محيط عربي إسلامي متخلف.

ولم تخدع تلك القشرة الديمقراطية الصهيونية المضللة عقلية لامعة كجمال حمدان، كما أنه لم يستسلم للأصوات العربية الزاعقة التي لا تجيد سوى الصراخ والعويل، واستطاع من خلال أدواته البحثية المحكمة، أن يفضح حقيقة هذا الكيان العنصري، مؤكداً: “أن اليهودية ليست ولا يمكن أن تكون قومية بأي مفهوم سياسي سليم كما يعرف كل عالم سياسي، ورغم أن اليهود ليسوا عنصراً جنسياً في أي معنى، بل “متحف” حي لكل أخلاط الأجناس في العالم، كما يدرك كل أنثروبولوجي، فإن فرضهم لأنفسهم كأمة مزعومة مدعية في دولة مصطنعة مقتطعة، يجعل منهم ومن الصهيونية حركة عنصرية أساساً”.

على الرغم من أن البعض استغرب مطالبة رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون، الفلسطينيين الاعتراف بـ “إسرائيل كدولة يهودية “، وهو الأمر الذي روج له الرئيس الأمريكي جورج بوش في قمة العقبة، فإن جمال حمدان كشف _ قبل أكثر من ثلاثين عاماً من الإعلان عن مخططاتهم الطائفية _ تلك الحقيقة الطائفية البحتة للمشروع الصهيوني، ووصف في كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير” إسرائيل بأنها “دولة دينية صرفة، تقوم على تجميع اليهود .. واليهود فقط .. في جيتو سياسي واحد، ومن ثم فأساسها التعصب الديني ابتداءاً، وهي بذلك تمثل شذوذاً رجعياً في الفلسفة السياسية للقرن العشرين، وتعيد إلى الحياة حفريات العصور الوسطى بل القديمة”.

وبذلك نجد أن جمال حمدان قد أدرك مبكراً من خلال تحليل متعمق للظروف التي أحاطت بقيام المشروع الصهيوني، أن “الأمن” يمثل المشكلة المحورية لهذا الكيان “اللقيط”، واعتبر أن وجود إسرائيل رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة، مشيراً إلى أنها قامت ولن تبقى _ وهذا تدركه جيداً_ إلا بالدم والحديد والنار.. ولذا فهي دولة عسكرية في صميم تنظيمها وحياتها، ولذا أصبح جيشها هو سكانها وسكانها هم جيشها.

كما حدد جمال حمدان الوظيفة التي من أجلها أوجد الاستعمار العالمي هذا الكيان اللقيط، بالاشتراك مع الصهيونية العالمية، وهي أن “تصبح قاعدة متكاملة آمنة عسكرياً، ورأس جسر ثابت استراتيجياً، ووكيل عام اقتصادياً، أو عميل خاص احتكارياً، وهي في كل أولئك تمثل فاصلاً أرضياً يمزق اتصال المنطقة العربية، ويخرب تجانسها، ويمنع وحدتها، وإسفنجة غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها، ونزيفاً مزمناً في مواردها”.

لقد قدم لنا هذا العالم المٌفكر، تحليلاً عميقاً متأصلاً.. كاشفاً لعنصرية وطائفية هذا الكيان الذى يجهر الآن بأطماعه وخططه فى ظل ضعف وهوان وتبعية الأنظمة العربية.

 

اترك تعليق