رواية «فارس» – بقلم أسماء خلف
الفصل الرابع
وقع فارس مغشياً عليه .. وعندما استيقظ .. ذهل مما رأى فها هو في غرفته نائماً على فراشه .. وأيضاً صديقه خالد مستلقي بجواره على الأريكه .. فربما كان يحلم .. وربما لم يكن كذلك .. ولكن المهم أنه لازال على قيد الحياه.
لم يكن يصدق كيف نجا من ليلة الأمس .. أخذ يتحرك بجسده رويداً رويداً .. فقد كان منهكاً للغاية .. وكان يشعر ببعض الألم في رأسه .. فذهب ليعد قهوته كالعاده .. وجلس في الشرفة .. يرتشف القهوه .. ثم أخذ يفكر في كل ما رآه ليلة أمس .. وبدأ يتذكر ذلك اليوم .. عندما رأى ليلى لآخر مرة .. لم يكن يعلم أنه سيكون آخر لقاء بينهما.
كانت حالتها سئيه بالفعل .. فقد أخبرته بأن شئياً غريباً يحدث لها .. وأنها ترى أشياء غير موجودة .. وآخر شئ، عندما رن هاتفها لتسمع صوتاً مخيفاً من الجهة الأخرى .. يخبرها بأن دورها قد حان .. وبعد ذلك اختفى ذلك الصوت .. ودوت في أذنها موسيقى غريبة .. لكن فارس لم يستوعب ما قصته عليه .. أو بمعنى أدق .. لم يصدقها.
وانقطع عن زيارتها بعد وفاه والدته .. وانقطعت أخبارها .. وتفاجأ بخبر انتحارها في إحدى الجرائد.
ظل فارس يفكر في كل ذلك .. وعلم أن نهايته أوشكت .. فحتماً ستكون نهايته كليلى .. لأن ما يحدث له مشابه تقريباً لما حدث لها.
فجاءه بدأ جسده يرتعش .. إلى أن سقط فنجان القهوه على الأرض .. استيقظ خالد مذعوراً .. وأسرع إلى الشرفه ليري ماذا هناك .. وعندما رآه فارس نظر إليه وسرعان ما أبعد ناظريه على الفور .. وكأنه لا يريد أن يرى عينيه .. فيتذكر ما رآه ليلة أمس .. أسرع خالد .. وجمع بقايا الفنجان المكسور .. وهو يقول: خضيتني يا فارس.
لكن فارس كان كمن أصابه الصمت .. فلم ينطق .. ولكن خالد لم يبالي .. فقال له: يا فارس .. أنا مضطر أنزل الشغل النهارده .. معلش أنا مضطر اسيبك.
فارس: ولا يهمك .. أنا كويس متقلقش .. وأنا كمان هنزل الشغل.
خالد: لا يا فارس .. انت لازم تستريح شويه.
فارس: لأ .. أنا قررت هنزل الشغل بكره خلاص يا خالد .. كمان علشان رئيس التحرير بيتلكك وممكن يجيب أي حد غيري.
خالد: اللي تشوفه يا فارس.
ذهب خالد ليعد نفسه ويذهب إلى عمله .. بينما فارس جلس يتصفح تلك الجرائد التي أحضرها من الأرشيف ذلك اليوم .. وبدأ ينهي عمله .. ولكن سرعان ما تذكر ذلك الحلم، عن تلك القرية، وذلك البئر، بمجرد أن أمسك بإحدى الجرائد التي كانت بها بعض الصور عن تلك القريه وذلك البئر.
أخذ فارس يقرأ ذلك المقال أسفل الصور .. كان مكتوب أنها قريه نشبت فيها النيران وعم فيها الخراب .. فظن أهلها أن للجن علاقه بذلك .. بالإضافه إلى أن أهلها لا يسمحون لأحد بالدخول إليها .. وأن الكثيرون حاولوا الذهاب إلى تلك القريه .. ولكن لم ينجحوا في العودة من هناك .. وانقطعت أخبارهم.
لفت انتباه فارس تلك الرموز المحفوره علي ذلك البئر .. كانت نفسها التي رآها في تلك الغرفة في القبو .. فقرر ان ينتظر قدوم خالد ليجدوا تفسيرا لذلك .. لأنه يعلم أن خالد يعرف لغات كثيرة ويجيد فك بعض الرموز .. فهو درس قليلاً في كلية الآثار قبل الالتحاق بكلية الإعلام.
أيضاً لفت انتباهه اسم كاتب المقال ..(أحمد حسن)، فشعر أنه سمع ذلك الاسم من قبل .. فقرر أن يسأل عنه .. لعله يجد خيطاً رفيعاً يفيده.
أخذ فارس في قص ذلك المقال .. ووضعه في أحد الأدراج .. وبعدها ذهب وأحضر كاميرا كانت قديمه الطراز جداً .. وأخذ يتفقدها .. وبالرغم من رداءة تلك الكاميرا إلا أنها كانت تعني الكثير لفارس .. فقد اشترتها له والدته من أحد المتاجر القديمه .. عندما كان في الرابعه عشرة من عمره.
أخذ فارس يفكر في والدته مجدداً .. وتذكر يوم شجارهما .. فقد أنفق فارس إرث والده في مشاريعه الفاشلة .. وطالما نصحته .. ولكن لم يكن يبالي .. ولكن ترك لها المنزل ورحل وأقسم أنه لن يعود مجدداً.
فجأه قطع ذكرياته صوت همهمه .. لم تكن واضحه في بادئ الأمر .. ثم أخذت تدوي كالطنين في أذنه .. لم يستطع تفسير أياً منها إلا كلمة واحدة وهي .. (كهف الموت).
انتفض فارس انتفاضه ذعر وأخذ يقول بصوت متهدج: مين؟ .. مين هناك؟ .. ولكن لم يجبه أحد .. فعاود كلامه .. مين؟ وعايز مني إيه؟ .. اظهر وواجهني .. أنا مستعد لكل اللي هتعمله فيا .. لكن متعذبنيش كده .. لو كنتي ليلى قولي عايزه مني إيه .. انا مليش ذنب في اللي حصلك.
وكأن يد أمسكت بعنق فارس حتي كاد يختنق .. ولكن لم يقطع حديثه .. أنا مش خايف من الموت .. بس بلاش تعملي فيا كدة.
أخذ جسد فارس يرتعش .. وبدأ العرق ينهمر كالشلال من وجهه .. حتي ظن فارس أنها النهاية.
فجأة سمع صوت خطوات تصعد الدرج .. فبدأ يختفي كل ذلك .. أخذت الخطوات تقترب أكثر فأكثر .. وكان فارس في أشد الخوف والذعر .. فهو لم يكن يعلم ماذا سيحل به بعد .. حقاً .. إن انتظار البلاء أشد من وقوعه.
كانت عينا فارس على الباب .. وكاد قلبه يسقط بين قدميه .. ولكن لقد أنقذه القدر هذه المرة أيضاً .. فخالد هو صاحب تلك الخطوات.
عندما دخل خالد تفاجأ بمنظر صديقه .. فقد كان في حاله لا يحسد عليها أبداً .. أسرع خالد .. وأجلس فارس على الكرسي .. وأحضر له بعضاً من الماء .. ثم سأله .. وكانت علامات القلق تظهر على وجهه: مالك يا فارس؟ إيه اللي حصلك؟
فارس في خوف: أنا نهايتي قربت زي ليلى يا خالد.
خالد: ليلى؟ مين ليلى دي يا فارس؟
فارس: ليلى دي كانت زميلتي في الشغل يا فارس .. لما كنت في الإسماعيليه .. وفجأة سابت الشغل .. ولما رحتلها البيت قالتلي انها بتشوف حجات غريبه .. تقريبا زي اللي بشوفها أنا يا خالد .. وبعدبن انقطعت أخبارها عني .. واتفاجئت بخبر انتحارها في الجرايد.
خالد في اندهاش: أنا مش فاهم حاجه يا فارس .. فهمني.
فارس : أنا هحكيلك بالتفصيل…
أخذ فارس يقص كل ما رآه على خالد .. وخالد يستمع في دهشة .. وعندما انتهى فارس نظر خالد إليه .. وقال في بعض من الخجل: فارس .. أنا مصدقك وكل حاجه .. بس أنا من رأيي تشوف دكتور .. نفسي .. كل الناس دلوقتي بتتعالج عند دكاتره نفسيين .. ممكن يكون كل ده وهم .. لأني مشفتش أي حاجه من اللي انت حكيت عليها.
فارس: بس أنا مش مجنون يا خالد .. أنا مكنتش عايز أحكيلك .. لأني متأكد إنك مش هتصدقني .. بس أنا هثبتلك إني صح .. تعالي معايا البدروم .. وأنا هوريك الأوضه الغريبه دي .. والرموز اللي عليها .. وإنها نفس الرموز اللي محفوره علي البئر .. أنا لسه شايفها في الصور .. وانت تقولي إيه تفسيرك لده.
نزل فارس وخالد إلى القبو ليتفقدوا تلك الغرفة .. ولكن حدث ما لم يكن في حسبان فارس .. فلم يجدوا ذلك الجدار ولا تلك الغرفه .. وأخذ فارس يبحث عنه ولكن دون جدوي .. ثم أحضر فأساً .. وأخذ في تحطيم كل تلك الجدران .. ولكن لم يجد شيئاً خلفها .. إلا الخلاء .. كاد فارس يجن .. لأنه كان متأكداً من وجود تلك الغرفة.
نظر خالد إلى فارس .. وأخذ يقول: مش يمكن اللي شوفته ده حلم زي أحلامك؟ .. أو ممكن كان بيتهيألك إن كان فيه أوضه هنا؟ .. أنا قولتلك يا فارس إن حالتك بقت صعبه .. واحنا لازم نشوف دكتور.
كانت كلمات خالد تسري كالرصاص في أذن فارس .. ولكنه كان متأكد من أنه فعلاً رأى تلك الغرفه .. وأسرع مقاطعاً كلام صديقه: أنا متاكد يا خالد إن كان فيه أوضه هنا .. وكمان أنا أخدت منهم كتاب وسلسلة .. اه صح .. أنا شيلتهم فوق تعالى .. أنا هثبتلك إني مش مجنون.
سحب فارس خالد من يديه .. ليصعدوا إلى الأعلى .. لعلهم يجدوا ذلك الكتاب وتلك القلاده .. ولكن سرعان ما اضطربت خطا فارس .. واخذ يقول في قراره نفسه: ياتري إيه اللي هيحصل لو أنا ملقتش الكتاب والسلسلة؟ .. أكيد خالد هيتأكد إني مجنون .. مش ممكن فعلاً يكون بيتهيألي؟ .. فعلاً هو أنا ممكن أكون ……