مشهد مر أمامي، لن أنساه طيلة حياتي .. أطفال لم تتجاوز أعمارهم العقد الأول… يتقاذفون السباب حتي هم أحدهم بإخراج أداة حادة محاولاً قتل صديقه!
وقفت صامتة تماماً!!!
توقف تفكيري في هذا الحين، إلي أن أدركت أن ما أشاهده ليس بمشهد فيلم يتحدث عن بلطجي وكأنه بطل مقدام لا يخشي الصعاب!
نظرت لمستقبل المجتمع .. وحضر بخاطري أسئلة عدة، بدايتها متي ولماذا وأين .. ونهايتها كيف.
متي تم الانحدار بالمستوي الأخلاقي للأطفال إلي هذا الحد؟!
و لماذا لا نستوعب أن انهيار المجتمع أمر حتمي، إذا لم ندرك أن الأطفال قنبلة موقوتة ستنفجر في السنوات القادمة إذا لم يتم توجيههم التوجيه الصحيح نحو القيم والأخلاقيات المنصوص عليها في كل الأديان؟!
وأين دور الأسرة فيما وصل إليه أبنائهم؟!
وكيف سيتم إصلاح ما أفسده الإعلام وأماكن التربية البديلة للمنزل؟!
تذكرت طفولتي ……
كانت والدتي دائما تواظب علي إظهار الفارق بين “الحب والحرب” وتترك لي الخيار.
الحب يا ابنتي سيولد تسامح وصدق وحق وعدل وإنسانية وخير.
أما الحرب ستولد كره وحقد وجشع وكذب ونفاق.
أي منهم تختارين؟!
كنت أجاوب بدون تفكير الحب بالتأكيد يا أمي.
حسنا.
فلتعلمي أن طريق الحب أصعب من طريق الحرب.
فالشيطان يستميت دائماً علي أن يزرع بداخلنا مسببات الحروب ويهيئها لسهولتها.
فمن كان منا ضعيف استسلم لما أراده الشيطان.
ومن أراد طريق الخير عليه فقط أن يقوى علي ما سيواجه من عواقب تحاول عرقلة طريقة نحو الحب.
كانت هذه الكلمات البسيطة تلقي صداها بداخلي من الوقت للآخر، إلي أن أصبحت أمر يقيني لا جدال به ولا مناقشة فيه.
وفي مرحلتي العمرية هذه، تأكدت أن المنزل هو بداية التنشئة السليمة، وهو المسؤول الأول علي خلق جيل يتمتع بقيم محمودة.
فمن شب علي عدم التفاهم والاحترام بين أفراد أسرته، والتعامل دون أسس سوية يتم من خلالها خلق جو موبوء أخلاقيا؛ شاب علي باطل، وأصبحت هشاشة قيمه أمر حتمي، تستطيع أي ريح أن تتقاذفها من مكان لآخر، ما دامت لا تقف علي أرض صلبة .. “الأخلاق”.
ولكن لا نستطيع أن نلقي اللوم علي الأسرة بمفردها، فكما ذكرنا أنها المسؤول الأول، لكنها ليست المسؤول الأوحد.
للمدرسة، والجامعة، والشارع، والإعلام، دور آخر .. إما أن يساعد علي تأكيد ما غرسته الأسرة في أنفس أطفالها، وإما أن يساعد علي الهدم.
وفي كلتا الحالتين، لابد ألا نغفل دور القراءة بالنسبة للأطفال، فبإغفال هذا الدور نجعل من الطفل وجبة دسمة للمضللين، ويستطيعوا من خلالها حشو مداركه بما أرادوا.