رشاد عبد العال يكتب: العبر والدروس المستفادة

0

ربما من المفيد ونحن نعيش أجواء تنامي حالة الإحباط والاحتقان الاجتماعي في مصر، جراء عدم انحياز السلطة للشرائح المهمشة من ناحية، وغلق المجال العام من ناحية أخري، أن نستدعي من الذاكرة بعض التجارب التاريخية، علها تكون بمثابة درس مهم وملهم لمن يعي ويتدبر.

عندما بدأت الأفكار الاشتراكية تأخذ طريقها نحو الانتشار في أوروبا في أواخر القرن الـ 19 والساعية إلي تقويض أركان النظام الرأسمالي عن طريق الثورة وإقامة نظام اشتراكي بديل. وقد ساهم حينذاك تردي الأوضاع الاجتماعية والظروف القاسية وغير الإنسانية للشرائح المهمشة وتغييب دورها السياسي، دوراً مؤثراً ومفصلياً في تنامي الأفكار الراديكالية. وعلي إثر ذلك فقد انتبه بعض منظرو النظام الرأسمالي والطبقة السياسية الحاكمة لخطورة تنامي المشاعر العدائية إزاء الدولة داخل الأوساط العمالية والشرائح التي تعيش علي هامش الحياة، ورأوا ضرورة إحداث تطور في كل من البنية الاجتماعية والمسار الديمقراطي للرأسمالية الأوروبية للخروج من الحالة المغلقة المهددة لاستمرار الدولة، إلي آفاق جديدة أكثر رحابة تعالج الاختلالات المنشئة لحالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وتمهد الطريق لاستقرار ورسوخ الدولة.

وتم اتباع سياسات وإجراءات كان من شأنها زيادة الأجور وتحسين شروط العمل ومنح العمال الحق في التصويت الانتخابي وتكوين نقابات وأحزاب سياسية تعبر عن مصالحهم، مما أدي إلي تحسن ملموس في مستويات المعيشية للعمال من ناحية، وتمثيلهم في البرلمان من ناحية أخري.

وعند بلوغ هذة النقطة بدأت قطاعات واسعة من الاشتراكيين في أوروبا يتولد لديها إحساس الانتماء للمجتمع الصناعي وإمكانية توجيه النظام الرأسمالي نحو غايات اجتماعية أوسع.

وتغيرت البوصلة صوب النهج الديمقراطي التدرجي بدلاً من النهج الثوري العنيف. ومرد هذا التحول الاستراتيجي يرجع إلي المكاسب الاجتماعية والسياسية التي تحققت للشرائح المهمشة علي أرض الواقع.

وبدأت الأحزاب الاشتراكية تصعد إلي سلم الحكم في إطار الدولة الليبرالية الأوروبية، ملتزمة بالحفاظ علي النظام السياسي التنافسي المفتوح وعلى البنية الرأسمالية للمجتمع ومتجهة فقط نحو إضفاء طابع اجتماعي عليها.

وأصبحت المجتمعات الأوروبية فيما بعد مجتمعات مستقرة يغلب عليها التوافق والحلول الوسط سواء علي مستوي النخب السياسية أو علي مستوي الطبقات والشرائح الاجتماعية، وخرج الجميع فائزاً من أتون صراعات الماضي.

هذا أحد الدروس المهمة التي يتوجب على النظام الحاكم في مصر الاستفادة منها، فما من سبيل أمامه إذا أراد النجاح والبقاء سوي أن ينحاز فعلاً وسلوكاً لدولة العدل الاجتماعي والقانون والانفتاح علي القوي الديمقراطية وتحرير الإعلام الحكومي وتحويله إلي مؤسسة قادرة علي تشكيل وعي مستنير، واستيعاب الكتلة الحرجة التي اعتادت طيلة السنوات الخمس الماضية علي التمرد والسير في طريق الثورة.

بات ضرورياً علي النظام اتخاذ حزمة من القوانين والإجراءات ذات البعد الاجتماعي يكون من شأنها استيعاب مشاعر الغضب المتنامية، وتحقيق مكاسب اجتماعية للشرائح المهمشة والمحرومة، متمثلة في تحسين جودة التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، والإفراج عن شباب الثورة المعتقلين وسجناء الرأي، والعمل تدريجياً علي فتح مجال الحريات ونسج خيوط الأمل في إمكانية تغيير وإصلاح البنية المؤسسية للدولة عبر الآليات والوسائل السلمية، من أجل ترويض الروح الثورية لدي قطاع مهم من الشباب كان بمثابة الشرارة والطليعة الأولي لحراكي يناير ويونيو الثوريين، وإشاعة أجواء من التفاؤل مما يولد بداخله قناعات بجدوي النهج الإصلاحي التدرجي، والدخول في عملية التنظيم المؤسسي في بعض الأحزاب وضخ الحيوية بداخلها.

يخطئ النظام إذا اعتقد أن الممارسات السائدة حالياً والمتمثلة في انسداد المسار السياسي، وغلق المجال العام، وانحيازه لشريحة المال والأعمال، واستخدام العصا الأمنية الغليظة في مواجهة الاحتجاجات السلمية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، سوف ينتج عنها استقرار وكسر إرادة الشباب المتطلع نحو التغيير، وأظن أن هذة الممارسات سوف تزيد من درجة الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وتوفر مناخ حاضن للعنف والإرهاب، وقد ينجم عنها توليد قناعات مخيفة داخل أوساط شبابية، بأن السلمية والإصلاح التدرجي لا طائل ولا جدوي منهما.

وختاماً، علي السلطة الحاكمة في مصر، ضرورة مراجعة مواقفها وانحيازاتها الاجتماعية والسياسية، والتمتع بقدر عالٍ من الحكمة، والاستفادة من بعض دروس وعبر التاريخ.

اترك تعليق