رشاد عبد العال يكتب: آثار السياسات النقدية على النمو الاقتصادي والتضخم

0

يكثر الحديث دائما عن الارتباط المباشر بين السياسات النقدية الرشيدة من جهة، والنمو والاستقرار الاقتصادي من جهة أخري، وحري بنا الإشارة إلي تباين تطبيقات السياسة النقدية حسب مستويات التقدم الاقتصادي في كل دولة.

حيث يقتصر استخدامها في الدول المتقدمة على تحقيق الاستقرار النقدي وخفض معدلات التضخم، بينما في الدول النامية تتجاوز أهداف السياسة النقدية لما هو أبعد من ذلك، إذ تهدف من خلالها إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار النقدي وتخفيض مستويات البطالة واستقرار أسواق المال والصرف وجذب الاستثمارات.

ويعد البنك المركزي هو الأداة الرئيسية والمسؤول الأول عن رسم السياسة النقدية وتنفيذها باستخدام أدوات كمية ونوعية.

وتستهدف الأدوات الكمية تحديد الحجم الكلي للسيولة وتشتمل على مجموعة من الأدوات مثل نسبة الاحتياطي النقدي التي يحددها البنك المركزي ويلزم البنوك التجارية الاحتفاظ بها وهي ألية مهمة يتم من خلالها التحكم في حجم السيولة وتحدد قدرة البنوك على الإقراض ويتم تغيير النسبة بناءاً على متطلبات السياسة النقدية، حيث أن تغيير هذه النسبة يؤثر على المعروض النقدي ويؤدي انخفاض نسبة الاحتياطي النقدي إلي وجود فائض في احتياطات البنوك وبالتالي زيادة قدرة البنوك على منح قروض.

وتعد أداة “عمليات السوق المفتوحة” من أهم أدوات السياسة النقدية وتعني قيام البنك المركزي بشراء وبيع سندات من السوق الحرة، ويترتب عليها زيادة حجم العملة في التداول في حالة الشراء، ومن ثم يتسع حجم القاعدة النقدية والعكس في عملية البيع وتنقسم هذة العمليات إلي حركية وتهدف إلى تغيير مستوى الاحتياطيات الموجودة لدى البنوك وحجم العملة المتداولة ومن ثم يتغير حجم القاعدة النقدية أو عمليات دفاعية ويقوم بها البنك المركزي من أجل التغلب على آثار العوامل المختلفة المؤثرة على حجم القاعدة النقدية، كتغيرات الودائع التي تقوم بها الخزانة العامة لدى البنك المركزي أو التغيرات في الرصيد الصافي لعمليات المقاصة.

كما تؤثر أداة سعر إعادة الخصم للبنوك المركزية على قدرة البنوك على منح الائتمان ويقوم البنك المركزي من خلال هذة الأداة بوظيفة المقرض الأخير، ويعتبر سعر إعادة الخصم وهو عبارة عن معدل العائد الذي يتقاضاه البنك المركزي من البنوك التجارية نظير إعادة خصم ما لديها من أوراق تجارية، أو مقابل قروض مضمونة بهذه الأوراق.

وتتسم الأدوات النوعية بصفة التدخل المباشر وتستهدف توزيع حجم الموارد المصرفية بين الاستخدامات المختلفة داخل الحجم الكلي للسيولة المقررة للنشاط الاقتصادي مثل إلزام البنك المركزي للبنوك بأسعار فائدة محددة على كلاً من الودائع والقروض الممنوحة أو فرض سقوف ائتمانية في شكل نسب على حجم الائتمان الممنوح وتتمثل أهداف تحديد أسعار الفائدة في التأثير على حجم الائتمان سواء للحد منه أو التوسع فيه، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي عبر تشجيع الاستثمار من خلال اعطاء قروض ميسرة للمستثمرين.

ومن التطورات الحديثة هو ربط السياسة النقدية بالسياسة الضريبية عبر زيادة أو تخفيض الضرائب بهدف حفز الطلب الاستهلاكي أو كبحه.

وفي مصر يعهد قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 لسنة 2003 للبنك المركزى بوضع وتنفيذ السياسة النقدية، وبأن يكون استقرار الأسعار هو الهدف الرئيسى لهذه السياسة الذى يتقدم على غيره من الأهداف .وبناءً عليه يلتزم البنك المركزى المصرى بتحقيق معدلات منخفضة للتضخم تساهم فى بناء الثقة والمحافظة على معدلات مرتفعة للاستثمار والنمو الاقتصادى.

وحول أداء طارق عامر محافظ البنك المركزي فتجدر الإشارة إلي تقرير مجلة جلوبال فاينانس لعام 2016 حول أداء محافظي البنوك الركزية حول العالم، حيث تجري عملية التقييم بناء على أدائهم في مؤشرات الحد من التضخم وأهداف النمو الاقتصادي واستقرار العملة وإدارة أسعار الفائدة.

وقد تذيل طارق عامر مؤخرة تصنيف محافظي البنوك المركزية العربية، فمنذ أن تولي إدارة البنك في 27 نوفمبر 2015 ونحن نشهد تراجع ملحوظ في المؤشرات الاقتصادية الكلية وموجة متصاعدة وغير مسبوقة في ارتفاع نسب التضخم التي قد تصل إلي 20 % بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة وانهيار قيمة الجنية.

ورغم اتخاذ الحكوة لحزمة من الاجراءات لكبح جماح التضخم الذي يقارب حاليا نسبة 17 % ومنها خفض الانفاق الحكومي وفرض ضرائب جديدة وتشجيع الادخار وتخفيض عرض النقود والحد من الصادرات السلعية بهدف زيادة المعروض من السلع وقيام البنك المركزي برفع نسبة الاحتياطي الإلزامي وفرض قيود على الائتمان، إلا أن هذة الإجراءات لم تؤت ثمارها نظراً لغياب كل من سياسة توزيعية رشيدة للدخل القومي توازن بين الاستثمار والانتاج والاستهلاك والادخار، وسياسة سعرية تلزم بوضع نسب محددة لهامش الربح، بالإضافة إلي عدم القدرة على تعبئة الطاقات الإنتاجية جراء عدم الإسراع إلي الآن في إعادة هيكلة المصانع والشركات المغلقة والمتعثرة تمويلياً وإدارياً وكذا عدم البدء في خلق مناطق صناعية على غرار المناطق الصناعية الصينية، ناهيك عن استمرار غياب الإرادة في فرض ضرائب تصاعدية من أجل استثمار عوائدها في قطاعات إنتاجية واجتماعية.

وختاماً … مصر بحاجة ماسة لرؤية شاملة تتسم بالرشد، يتم من خلالها إعادة بناء سياساتها النقدية والمالية والضريبية، لمعالجة الاختلالات الهيكلية في القطاعات الاقتصادية، ووقف نزيف التضخم الذي بات يهدد حالة الاستقرار والتماسك الاجتماعي.

اترك تعليق