«ترياق الاختلاف»
هل تقبلني على علّاتي، وأرتضيك بنقائصك؟!
سؤالٌ طالما راودني حين أُشرع التّمازج بعلاقةٍ جديدة مع أي شخص…
تلك هي المقايضة المشروطة! فنجاحُ العلاقة مرهونٌ بقبولك كل ما يعتريني من نقص، مقابل ترحيبي بكل ما فيك من علّات.
«تقبّل الآخر ترياق الاختلاف»
أتذكّرُ ذات مرةٍ كنت حينها لم يتجاوز عمرى العاشرة، كنت سائرة وأبي في الطريق فإذا برجلٍ أعرج أقدم علينا يسألُنا حاجةً، أمسكتُ بيد والدي وشددتُ عليها، واعتلت وجهي الصفرة من شدة الهلع، فقد كانت هيئة قدمه تبعثُ على نفسي الخوف والنفور!
ومن هنا كان التساؤل:
هل اعتدنا الخوف ممن لا يشبهنا؟!
هل تأصّلت ثقافة رفض الآخر- لمجرد أنه على غير سمتنا- في أعماقنا فباتت نهجاً نمارسه عن يقين؟
إنّ العيب ليس في النفور من شخصٍ لا يتواءم وطباعنا، إنما المعضلة في كيفية التعاطي مع ذلك الاختلاف!
اختلف كيفما شئت، لكن تقبّل ذلك الاختلاف، وعامل من أمامك وفق خصاله- هو- لا وفق طبائعك-أنت، وحين ينتابك النفور من ذلك الاختلاف، تذكّر أنّ التشابه بيننا أمرٌ سيء حد الملل، ففي الاختلاف رحمة وفائدة.
ولتعلم أنّ الحبّ الصادق هو أن ترتضي بالحبيب بكل شوائبه وعكره، فليس الحُبُّ في أن يسير المحبوب وفق هواك، بل في أن تتقبّل- أنت- المحبوب بما يخالف هواك.
«تقبُّل الآخر تعميمٌ لا قسط فيه»
صدىً بأذني يناديني أن تريّثي ففي عموم التقبّل إجحاف لا خرس في حضرته!
فكيف لي أن أتقبّل يهودياً بكل السفه الذي يحمله حَرِف ديانته؟!
كيف أصادق من قال إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء؟، كيف لي بأن أخلط أفكاري بمن اتهم ربي بالبخل وقال يد الله مغلولة؟
بل دع عنك كل هذا ودعني أسألك:
!هل تتقبّل من سرق يوماً مالك، أو نفساً خدعت قلبك؟
إذن فللتقبُّل معايير وحدودٌ ينبني عليها القيود المعاملاتية، فرغم مناداتي بوجوب التقبل، إلا أنه لا ينبغي أن نطلق المطلق في المطلق، فعليّ أن أتقبّل عيوباً لا عقائد، وأُرحّب باختلافاتٍ لا فواحش!
«عدم التّقبُّل وفقدان الهوية»
لخّص وليام جيمس مفهوم الذات في مصطلح أسماه (الذات الممتدة)، وهي علاقة الفرد بكل ما يحيط به كالعائلة والمجتمع، فالذات تبني هويتها من نظرة الآخرين لها، فكلما كانت نظرة الآخرين قمعية، كان اضطرار الفرد للتطابق مع المحيطين أمر جداً صعب!
إحدى المخطوطات الهندية التي تعود للقرن الأول قبل الميلاد ذكرت أنّ النفس تمجد صاحبها، وهي أيضاً العدو الوحيد لنفسها!
فالنفس دوماً تسعى للتميز عن الآخرين، وفي ذات الوقت تضطر للتوافق معهم حتى لا تسقط ببئر الاختلاف، ومن هنا تنفجر براكين الصراع النفسي!
فالنفس تستند إلى ركيزة لا تتزعزع، وهي الذات أما تشكيل الهوية فيُبنى من نظرة الآخرين لنا.
فعدم تقبُّل الآخر، والنظرة الدونية التي نُصدّرها له لمجرد اختلاف لونه، أو إعاقة ألمّت به أو أو …
لهي غصّة في حلق الهويّة تودي بها للهاوية.
كلُّنا نسعى لتسلُّق سُلّم الشعبية، والانخراط المجتمعي، وجميعنا نرغب بأن نكون محبوبين من الغير، لكن إذا قوبلنا بالرفض، ماذا علينا أن نفعل؟
هل نستسلم للدونية ونسحق هويتنا تحت أقدام الاختلاف؟
أم نستعيد جذور الذات المُتأصّلة دواخلنا كي نستقيم ونحيا؟
شئت أم أبيت لن يتقبلك الجميع، فاجعل من نظرتك لنفسك سياج تحتمي به من وهج صدمة الاختلاف، واجعل من هويتك بصمة للتاريخ تنقشها بأحرف العزيمة على ذاتك.
ولا تنس حين تسلك أسبلة التعامل، تلك المقايضة التي ترغمك على التقبُّل المشروط للآخر مقابل أن يكتنفك هو بين حنانيه على علّاتك.
وأخيراً إن لفظك الأناس أيها المختلف؛ فها هو نجيب محفوظ يبعث إليك برسالة تهدهد خاطرك، وتربت على كتفيك:
«لا شيء يستحق الحزن… دع الحزن للحمقى»!
#ترياق_الاختلاف
#رانيا_اللبودي