فوجئ سكان الإسكندرية، بخبر ميل عقار مكون من حوالي 15 دور، بني بالمخالفة لأحكام قانون البناء الموحد، في مشهد يدعو إلى البكاء لا الضحك، وإلى التأمل عما وصل إليه الحال في مصرنا الحبيبة، والتساؤل حول الأسباب التي أدت إلى حدوث تلك الكارثة، ثم السعي للبحث عن حلول حقيقية لتلك المشكلة الكبيرة والعويصة والخطيرة والمبكية، والتي تؤدي ليس الى ازهاق أرواح الأسر المصرية أو معاناتهم وإنما تتعدى ذلك إلى تكدير الأمن الاجتماعي، واهدار كرامة المصريين وسمعتهم امام العالم باعتبارهم قد جبلوا على الفساد وعدم احترام القوانين والالتفاف حولها.
من المسئول عن تلك الكارثة؟
حمل البعض المسئولية للمواطن الذي يقوم بالشراء في بناء مخالف، وحمل البعض رؤساء الأحياء ومهندسي الإدارة المحلية مسئولية تفشي ظاهرة البناء المخالف في الاسكندرية، والمشكلة الحقيقية أن جميعنا يعلم مدى الفساد الذي استشرى في نظام الإدارة المحلية، دون وجود حل حقيقي لتلك المشكلة.
سمعنا أن العقار قد صدر له قرار بالإزالة، وأن السكان قد ارتضوا الشراء في بناء مخالف على مسئوليتهم الشخصية، اعتقاداً منهم بأن ده العادي، وكل العقارات مخالفة، مستبعدين حدوث الكارثة، وهي ظاهرة تستحق التأمل…
لماذا يقبل رب الأسرة شراء سكن له ولأسرته في عقار لم يستوف شروطه القانونية، والتي وضعت من أجل سلامته وسلامة أولاده؟
قبل 25 يناير 2011، تفتق ذهن العاملين في مجال البناء في الإسكندرية، على استحداث نظام يعرف بنظام الكحول، وهو أن يقوم مالك الأرض، ببيعها صورياً لمواطن غير معروف الموطن، ويصعب الوصول إليه، من أجل استصدار التراخيص باسمه، ثم يقوم المقاول بمخالفة شروط الترخيص الصادر باسم الكحول، فتقوم الجهة الإدارية بإعمال القانون، واستصدار قرار بالإزالة، وتحريك الدعوى الجنائية، طبعاً بعد فترة زمنية تسمح للمقاول بإنهاء الأعمال وبناء البرج المخالف، وبيع الدور الأخير لأحد الواصلين في الدولة، ووضع لافتته ومهنته على الشقة بالدور الأخير، إعلاناً منه بعدم الاقتراب منها لحصانته، أو يقوم المقاول بتسكين تلك الشقة، فلا يمكن جبر الساكن على ترك شقته من أجل إزالتها.
وبعد 25 يناير، امتد البناء بدون تراخيص، بل وعلى أراضي الغير، وهو أمر معروف للكافة، فإن أصدر القضاء حكمه بحبس الكحول، عجزت وحدات التنفيذ عن إيجاده لعدم الاستدلال على مكانه أو موطنه، ثم تسقط العقوبة خلال الفترة الزمنية القانونية لسقوط العقوبة… التفاف واضح على القانون، والورق سليم مية في المية.
عودة للسؤال: لماذا يقبل رب الأسرة شراء سكن له ولأسرته في عقار لم يستوفِ شروطه القانونية، والتي وضعت من أجل سلامته وسلامة أولاده؟
إنه العرض والطلب، فالمعروض قليل، والامتداد العمراني للإسكندرية محدود، والطلب عالٍ، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية في الإسكندرية مقارنة ببعض المحافظات الأخرى.
لقد أنشأ قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، مجلساً أعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، وهيئة عامة للتخطيط العمراني، وإدارة عامة بكل محافظة للتخطيط والتنمية العمرانية، كلها من أجل وضع المخططات الاستراتيجية، وتلقي ملاحظات المواطنين والجهات ذات الصلة والمجلس الشعبي المحلي، ويتم مراجعة وتحديث المخطط الاستراتيجي العام للمدينة أو القرية كل 5 سنوات على الأكثر لضمان ملاءمته للتطور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والعمراني والأوضاع المحلية، وتعتمد تلك المخططات، وتنشر في الوقائع المصرية.
وتلتزم الإدارات العامة للتخطيط والتنمية العمرانية بالمحافظات، بإعداد المخططات التفصيلية للمدن والقرى واعتمادها خلال عامين من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية (صدرت اللائحة بالقرار الوزاري 144 لسنة 2009).
إن علم الإدارة يتلخص في 4 كلمات: التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، ونحتاج في الإسكندرية إلى تخطيط استراتيجي وتنمية عمرانية كاملة، لكافة فئات المجتمع، وهو أمر ليس بالبسيط، ويحتاج لمجهود كبير، نحتاج لتعديل القوانين التي يتم الالتفاف حولها، وتطبيق القانون بكل حزم أمام من يخالف قواعد البناء، وتغليظ العقوبة وعدم سقوطها بالتقادم على من يخالف تلك القواعد.
أنادي كذلك بضرورة تسهيل إجراءات تسجيل الوحدات السكنية، فملكية العقار قانوناً لا تنتقل إلا بالتسجيل، والتسجيل صعب ويكاد يكون مستحيلاً، وقبل كل ذلك.. أنادي بعودة الضمير.. نفتقده كثيراً.
د. أحمد نزيه أبوراس
– عضو مجلس إدارة غرفة مقدمي الخدمات الصحية التابعة لاتحاد الصناعات
– عضو مجلس نقابة أطباء الإسكندرية
– عضو لجنة العمل ولجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصري