في ظل عدم وجود قانون تأمين صحي شامل للمصريين، يفاجأ المواطن المصري عندما يصيبه المرض، هو أو أحد أفراد أسرته، بضرورة توفير مبالغ مالية ليست بالقليلة، من أجل العلاج بمستشفيات القطاع الخاص، وهو أمر قد يكلفه مدخراته إن كان لها وجود، أو يضطر للاقتراض من أجل توفير تكلفة العلاج، والمصيبة الكبرى عندما يصرح الطبيب بأن احتمالية شفاء المريض ضعيفة، وأنه على جهاز التنفس الصناعي، وإنه بيعمل اللي عليه والباقي على ربنا، وقد ينتقل المريض إلى رحمة الله تعالى بعد أن يستنفذ أهله كافة أموالهم محاولة منهم لعلاجه وشفائه، إذ يعتبرون ذلك واجبا عليهم وهو واجبهم بكل تأكيد.
وبسبب عدم وجود بديل يرضى عنه المريض أو ذويه في المستشفيات التابعة للقطاعات الحكومية المختلفة، يتجه المريض إلى مستشفيات القطاع الخاص، ليفاجأ بالفاتورة الباهظة، والتي قد تتخطى مقدرته على السداد، أو على الأقل ليست من أولويات مصروفاته، فالمرض عادة يصيب الإنسان فجأة، أو يتطور بمضاعفات سريعة، تستدعي دخول المستشفى للعلاج.
في مقالة سابقة، عرضت ما تم بشأن قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، وتمنيت أن يرى النور قريبا، وهو أمر تعمل عليه الدولة بكافة قطاعاتها، ولكن ولحين اصدار القانون، وفي هذه الفترة الاقتصادية الحرجة، فإن واجب القطاع الصحي الخاص، أن يوازن ما بين ارتفاع تكلفة تقديم الخدمة الصحية، وما بين واجبه نحو المجتمع والمواطن المصري.
إن القطاع الصحي الخاص، يشمل من ضمن ما يشمل، المستشفيات الخاصة التي تتخذ شكل الشركات بمختلف أنواعها والتي تعرف غالبا بالمستشفيات الاستثمارية، وتتميز بمستوى الفندقة غير المتوفر في المستسفيات الحكومية وباقي القطاعات، ويشمل كذلك المستشفيات التابعة للشركات، ومستشفيات الجمعيات الأهلية التي تشرف على ميزانياتها وزارة الشئون الاجتماعية، وهي غير هادفة للربح، والملاحظ أن بعض تلك المستشفيات غير الهادفة للربح، قد غالت في أسعارها بصورة فاقت في بعض الأحيان المستشفيات الخاصة، وهو أمر غريب.
القطاع الصحي الخاص يشمل أيضا من ضمن ما يشمل، عيادات الأطباء، ويختلف الأطباء في تقدير أتعابهم، وتتحدد الأتعاب بناء على عدة اعتبارات، منها تخصص الطبيب، فهناك تخصصات دقيقة تستلزم مهارة من نوع خاص، كما تتحدد الأتعاب بناء على درجة الطبيب، فالطبيب الإخصائي يختلف في أتعابه عن الطبيب الاستشاري، ونتمنى بحق وجود معايير واحدة في تحديد درجات الأطباء، فالمعايير تختلف في الوقت حالي باختلاف القطاعات، فقد يكون الطبيب اخصائيا بمعيار نقابة الأطباء، واستشاريا بمعيار وظيفته بوزارة الصحة أو التأمين الصحي أو القطاع الصحي التابع له. تقدر أتعاب الطبيب كذلك بناء على حالة المريض ونوع المرض، ومدى المجهود المبذول لعلاجه، وتتحدد الأتعاب أيضا بناء على مدى الطلب على الطبيب وسمعته وكفاءته، ومدى قدرة المريض على سداد الأتعاب، وكثيرا ما يقوم الأطباء بعلاج المرضى غير القادرين مجانا دون تلقي أية أتعاب.
يختلف الاستثمار في القطاع الصحي من حيث طبيعته عن الاستثمار في أي قطاع آخر، فهو يتطلب تواجد العاملين فيه على مدار 24 ساعة، وهؤلاء العاملين من اداريين وفنيين في أقسام المعامل والأشعات وغيرها، والتمريض في الأقسام المختلفة كالعناية المركزة والعمليات والأقسام الداخلية بتخصصاتها العديدة، وموظفي المكاتب الأمامية، والعمال المتخصصين، وعمال النظافة، والعاملين في الأقسام المساعدة كالمطبخ والمغسلة والصيانة والتعقيم، وغيرهم، كل هؤلاء يحتاجون إلى زيادة مرتباتهم من أجل مجابهة الظروف الاقتصادية التي تعاني منها مصرنا الحبيبة، فهم جزء من المجتمع.
يتطب الاستثمار في القطاع الصحي كذلك، توفير الأجهزة باهظة الأثمان، سواء للتشخيص أو العلاج، كأجهزة التنفس الصناعي والشاشات الطبية، وأجهزة التخدير وأجهزة التعقيم، والأجهزة التخصصية الدقيقة، كأجهزة القلب والعلاج الإشعاعي وغيرها، وهي أجهزة تتطلب توفير عشرات الملايين من الجنيهات، لا من أجل شرائها وتوفيرها لتقديم الخدمة فقط، وإنما من أجل صيانتها، خاصة في ظل وجود وكلاء يغالون كثيرا في أسعار تلك الأجهزة وتكاليف صيانتها، والتي تتحدد بنسبة مئوية إضافية من سعر الجهاز، تدفع للوكيل سنويا.
وفي ظل ارتفاع أسعار الكهرباء، فإن المستشفيات تعاني من تكاليف باهظة في هذا الخصوص، إذ أنها تحاسب باعتبارها هيئات تجارية، بفئة عالية، مما يزيد تكلفة الخدمة على المواطن المصري، كما انها لم تعف من الضرائب العقارية على سبيل المثال، مما يزيد في تقديم تكلفة الخدمة.
تعاني المستشفيات كذلك من صعوبة في توفير المستلزمات اللازمة لتقديم الخدمة، في ظل سوق غير منضبط يتحكم فيه وكلاء، يغالي بعضهم في أسعار بيع تلك المستلزمات للمستشفيات، وحسنا فعلت القوات المسلحة، ببحث إمكانية الشراء المجمع تحت رعايتها من أجل مجابهة ارتفاع الأسعار، وهو امر لا يخفى على أحد.
رغم كل تلك الصعوبات، فإنني أتوجه بالرجاء إلى مقدمي الخدمة الصحية بالقطاع الخاص، من مستشفيات وأطباء، ووكلاء للأجهزة الطبية والمستلزمات، وللحكومة المصرية، للنظر بعين الاعتبار لطبيعة عميل هذا القطاع، فهو المواطن المصري الذي ابتلاه الله تعالى بالمرض، ويحتاج للعلاج.
لابد من العمل سويا من أجل تخفيض تكلفة تقديم الخدمة الصحية، فالطب رسالة انسانية، والعلاج حق لكل مواطن.
د. أحمد نزيه أبوراس
– عضو مجلس ادارة غرفة مقدمي الخدمات الصحية التابعة لاتحاد الصناعات
– عضو مجلس نقابة أطباء الاسكندرية
– عضو لجنة العمل ولجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصري