استمحيكم عذراً.. سأتناول جانب مسكوت عنه فى هذه المحنه الصعبه التى مرت ببلادنا. عبر قراءة في رواية (الأسرى يقيمون المتاريس) التي سطرها الأديب البطل فؤاد حجازي، عميد أدباء الأقاليم.
صديقى الرائع (فؤاد حجازى)، أديب المنصوره الجميل.. جندى احتياط يقع فى الأسر فى الأيام الأولى للحرب.
يتم ترحيل الأسرى إلى معتقل (عتليت) الرهيب، ويقع بالقرب من حيفا، ويتكون من مجموعة من المعسكرات، يعيش فيها الأسرى فى ظل ظروف غاية فى البشاعه.
يسجل حجازى محاولة الصهاينه المستميته لكسر إرادة المصريين، ويقابلها ملحمة من الصمود من الأسرى المصريين، الذين استطاعوا وبسرعه لملمة جراحهم، والبدء فى المقاومة بكل أشكالها، مستجمعين كل ما بداخلهم من طاقات فى مواجهة عدوهم، رافضين الاعتراف بالهزيمه.
تصل ذروة الصراع بين الأسرى وسجانيهم بسبب إشاعه أطلقتها إدارة المعتقل، ما يفيد استسلام القيادة المصرية، فتنفجر المعسكرات فى حالة عصيان شامل، ويقيم الأسرى المصريون المتاريس، وتدور معركة شرسة.. حجارة الاسرى مقابل رصاص الصهاينة.
ولا تهدأ المعركه إلا بنفي هذه الإشاعه.
ويفشل السجان فى قهر إرادة المسجون…
نجح حجازى فى سرد أدق المشاعر الإنسانيه وحتى لحظات الضعف، حين يسمع الأسرى أغنيه تذكرهم بالوطن أو تقع فى أيديهم قصاصة من جرائد بلادهم.
حتى النكتة والغنوة والموال وجريدة الحائط، كانت وسيلتهم فى المقاومة والصمود.
ويحكى كاتبنا عن صلابة البسطاء، فمنهم المكوجي والسباك والترزي، الذين نجحوا فى صنع هذه الملحمة.
المصرى لا يقهر، حتى وإن بدا لك أنه كذلك.
ترجمت روايته (الأسرى يقيمون المتاريس) إلى أكثر من لغة عالمية.. ودُرست فى الكثير من الجامعات، كنموذج لأدب المقاومة.. وكانت موضع رسالتين للدكتوراة.. ولا تزال القصاصات التى كتب عليها الروايه فى متحف فى روسيا.
الطريف أن فؤاد حجازي كان ضيفاً فى سجون بلاده أيضاً! وقد تقابلنا فى معتقل طره 1977 فى قضايا سياسية!!!
تحيه إلى صديقي فؤاد حجازي، الذى لاتزال تسكن كتفه (شظية) أُصيب بها في الحرب.