كتب – عبد العزيز الشناوي
بعد أنه لقبه الكثيرون من مختلف أنحاء العالم بأنه صانع نهضة البرازيل، وبعد أن بات رمزاً للعامل البسيط الذي استطاع أن يؤسس حزباً سياسيا للعمال ويصل به إلى قمة الدولة البرازيلية، وبعد أن تمكن أن يحكم الدولة الأكبر في أمريكا اللاتينية، عبر الأيديولوجية اليسارية ويحقق نهضة اقتصادية واجتماعية أشاد بها العالم…
يواجه الرئيس البرازيلي الأسبق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (71 عاما)، (2003-2010)، – الذي ما زال يتمتع بشعبية قوية، لكنه مكروه أيضاً في أوساط داخلية -، متاهة يمكن أن تقوده إلى السجن!
وفيما يستحوذ هاجس العودة إلى السلطة رئيساً عام 2018 على تطلعات دا سيلفا، إلا أنه أمر صعب وشاق جداً، لأن الطريق إلى القصر الرئاسي هذه المرة، مليئة بالعقبات لرمز اليسار الذي تعرض مؤخراً لسلسلة من الإخفاقات قد تؤثر سلباً، ليس على طريقه للرئاسة، بل ربما على مستقبله السياسيه كله وحريته وتنتهي به خلف القضبان.
أمر القاضي الشاب لمكافحة الفساد (سرجيو مورو) هذا الأسبوع بتجميد أربعة من حسابات دي سيلفا المصرفية، وصندوقي تقاعد تبلغ قيمتهما 2,5 مليون يورو، ووضع اليد على ثلاث من شققه في إطار قضية منزل من ثلاث طبقات في منتجع بحري.
ووجهت الى الرئيس السابق تهمة الحصول على هذه “الهدية السخية” من شركة للمقاولات والأشغال العامة في مقابل وساطة لدى بتروبراس للحصول على عقود.
واستدعى القاضي أيضاً لولا دا سيلفا، للمثول أمامه في منتصف سبتمبر في إطار واحدة من خمس قضايا تستهدفه، وهي ملكية مثيرة للجدل لقطعة أرض.
وأخيراً، أخفقت التظاهرات التي دعت إليها قوى اليسار الخميس الماضي “دعما للولا دا سيلفا ودعما للديموقراطية” في كبرى المدن البرازيلية بعد الحكم الصادم الذي أصدره القاضي نفسه بسجن دا سيلفا تسعة أعوام ونصف العام، الأسبوع الماضي.
وقال المحلل السياسي ديفيد فلايشر الاستاذ في جامعة برازيليا لفرانس برس، ان “الخناق يضيق حول لولا دا سيلفا”.
وحرصا منه على عدم إصابة البرازيليين بـ”صدمة”، إذا رأوا رئيسهم الأسبق مسجوناً، ترك القاضي مورو، لولا دا سليفا، طليقاً في انتظار حكم دعوى الاستئناف من محكمة بورتو أليغري (جنوب) التي سيكون مصيره بين يديها، ويمكن أن تستمر هذه المحاكمة سنة.
وقد انتقد هذا العامل السابق في مصانع الحديد، والزعيم النقابي الذي فشل ثلاث مرات في الانتخابات الرئاسية قبل أن يصل الى القمة، المحاكمة” ووصفها بـ”السياسية” و”المجزرة” تهدف إلى منعه من تحقيق الانتصار في الانتخابات الرئاسية التي تتوقع استطلاعات الرِأي فوزه بها.
وبصوته الأجش قال خلال تظاهرة “حزب العمال” في ساو باولو: “لأنهم لم ينجحوا في القضاء علي سياسياً، يريدون إسقاطي قضائياً”.
وأضاف دا سيلفا وسط أنصاره: “اذا توافر للنيابة وللقاضي مورو الدليل على أني اختلست خمسة سنتيمات، فليدعوني أراه … وليعتقلوني”.
ويرى محللون أن، لولا دا سيلفا يريد إبقاء حزب العمال على قيد الحياة، وهو يعرف أن الظروف الحالية، مع عدد كبير من قادته مسجونين، تجعل منه الوحيد القادر على تنظيم المعركة.
وحزب العمال الذي أسسه في الثمانينات، لم يعد أيضاً في أفضل حالاته، إذ لا يزال يعاني من إقالة الرئيسة ديلما روسيف (2011-2016) العام الماضي ما أنهى فجأة 13 عاماً من حكم اليسار البرازيلي.
والتحقيقات حول بتروبراس والهزيمة التاريخية لحزب العمال في الانتخابات البلدية في أكتوبر 2016، زادت من بلبلة حزب العمال الذي لم يعد يرى سوى مخرج واحد، وهو عودة لولا دا سيلفا.
ويرى محللو الوضع البرازيلي أنه لا تزال لدى اليسار أوراق قوية – لكنها قليلة -، فهم يستطيعون الاستناد إلى القاعدة الناشطة، رغم أنها تتناقص، وإلى قسم من الطبقات المحرومة التي تشعر بالحنين إلى سنوات دا سيلفا.
وينقسم البرازيليون بين من يعتبرون لولا دا سيلفا القائد اللامع لبرازيل طموحة أبهرت العالم قبل عقد، وبين الذين يحملونه مسؤولية التجاوزات التي تكبل هذا البلد الناشىء.
وقال لولا دا سيلفا مؤخراً في مقابلة مع صحفيين،متحدياً على ما يبدو كل العقبات التي تعترضه: “أستطيع أن أحافظ على هدوئي، لكن السياسة تثير الشهوات”.