بحيرة مريوط بين الماضي العريق.. والواقع المرير .. والمستقبل المخيف

0

التلوث بالبحيرة أصبح خطراً على الحياة البحرية وربما البرية المحيطة بالحيرة.

تقرير وزارة البيئة: “مزارع البحيرة ملوثة وغير صالحة لتربية الأسماك”.

الردم يتم شبه يوميا ولصالح شركات ومؤسسات بعضها مملوك للدولة.

صياد: “البحيرة معادش فيها سمك والصيادين مش لاقيين ياكلوا”.

التلوث يقضي على الثروة السمكية في البحيرة

كتب/ عبد العزيز الشناوي

“أنا دلوقتي بسرح أنا وابني من صباحية ربنا لآخر النهار، وبرجع بسمكتين أو تلاتة.. الملاحة معدش فيها سمك”، بهذه الكلمات المؤلمة يتحدث عم السيد، الذي يوصف بشيخ صيادين بحيرة مريوط بمأوى الصيادين، قبل أن يقاطعه صياد آخر ويقول: “وهى فين الملاحة أصلا؟، الملاحة بتتردم وتتباع أرض”.

تعاني بحيرة مريوط، رغم ما لها من أهمية بيئية واقتصادية واجتماعية، من إهمال بما يشبه التدمير على مدار عقود مضت، ولازالت في غيبة عن اهتمام أولي الأمر والمعنيين.

ما تتعرض له بحيرة مريوط، يمثل خطراً حقيقياً على مهنة صيد الأسماك من البحيرة والمهن التكميلية المتعلقة بها، والتي يعيش عليها قرابة 75 ألف مواطن مصري على أقل تقدير.

لقد جرى ردم أجزاء كبيرة جدا من البحيرة على مدار السنوات السابقة، ولازال الردم والتجفيف مستمراً، حتى وصلت مساحة البحيرة إلى قرابة 16 ألف فدان فقط، بعد أن كانت تزيد عن 60 ألف فدان قبل حوالي نصف قرن من الآن.

                                                 الجفاف يضرب بحيرة مريوط

لقد تعرضت بحيرة مريوط، خلال تلك السنوات لردم الدولة ما يقترب من ثلاثة أرباع مساحتها، لصالح الطرق البرية والمساكن والمصانع، إضافة إلى قيام أصحاب بعض المصانع بردم الأجزاء المتاخمة لهم من البحيرة والاستيلاء عليها ضمن مشاريعهم المقامة على الأرض المردومة من البحيرة من قبل، دون ردع، بالشكل الذي بات يهدد التوازن البيئي في المنطقة.

يقول الحاج “السيد حُزين”، أحد شيوخ صيادي بحيرة مريوط: “طرقنا كل أبواب المسئولين وعرضنا عليهم المأساة التي نعيشها، دون جدوى منهم، وأنا عايز أعيش ومعي جموع الصيادين الذين لا يملكون أي مهنة خلاف مهنة الصيد”.
وأضاف حُزين: “إحنا صياديّ بحيرة مريوط مش لاقيين ناكل فول وفلافل، وأصبحت البحيرة أرض جافة”، متسائلا ماذا يفعل الصيادون وأسرهم، هل يسرقون؟ أم يتاجرون في المخدرات؟، “أنا دلوقتي بسرح أنا وابني من صباحية ربنا لآخر النهار، وبرجع بسمكتين تلاتة.. الملاحة معدش فيها سمك”، مطالباً المسئولين باحتوائهم منعاً من انحرافهم وتشريد أسرهم.

لقد باتت بحيرة مريوط، خزاناً كبيراً لمياه الصرف الملوثة بشتى أنواع المخلفات الصناعية والزراعية والآدمية، حيث – وفقاً للتقارير الصادرة عن وزارة الدولة لشئون البيئة – تستقبل البحيرة يومياً، أكثر من مليون متر مكعب من المخلفات السائلة المحملة بحوالي 250 طن من المواد الصلبة العالقة بدون أية معالجة. كما تستقبل قرابة مليون متر مكعب من الصرف الصحي المختلط بالصناعي ومخلفات المستشفيات ومحطات الوقود، بعد معالجة أولية لا تكفي لحمايتها من التلوث. إضافة للصرف الزراعي المحمل بمتبقيات المبيدات الحشرية والمخصبات الكيميائية، لحوالي 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية دون معالجة. إلى جانب الصرف المباشر لمصانع الأسمنت والأسمدة وتكرير البترول والبتروكيماويات.

الصرف الصناعي غير المُعالَج من أبرز ملوثات البحيرة

ما تتعرض له البحيرة، من تلوث خطير على حياة الإنسان والحيوان، والمدمر للثروة السمكية في البحيرة، وما يجري من ردم وتجفيف، إضافة إلى كونها – جميعها – جرائم وفق القانون والدستور المصري، فإنها تمثل تهديدا خطيرا للتوازن البيئي للمنطقة، وحرماناً للأسكندرية من حزام مائي وهوائي طبيعي.

ويؤكد الأستاذ (هاني أبو عقيل)، الباحث البيئي، “أن الاعتداء على البيئة جريمة لا تسقط بالتقادم كما جرائم الإبادة التي تتم للإنسان، إذ أن ذلك اعتداءاً على حق الأجيال القادمة في مقدراتهم وأملاكهم البيئية، مؤكداً أن البيئة التي ورثناها ممن سبقنا هى ليست ملكاً لنا، بل ملك للأجيال القادمة والتي تليها وهكذا إلى قيام الساعة، وليس لنا الحق في تدمير ما ليس ملكا لنا، بل علينا تنميتها تنمية مستدامة، تحقق لنا وللأجيال الحالية الاستفادة المطلوبة، وتحافظ عليها وتضمن استمرارها للأجيال القادمة”.

فيما يقول الدكتور محمد رفيق خليل نقيب أطباء الأسكندرية، إن أزمة البحيرة تمثل مشكلة اقتصادية، مشيرا إلى أن تلوث المياه وندرة الأسماك يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي المصري، ويُحدث أزمة اقتصادية، موضحا أن البحيرة تحولت إلى مصرف للصرف الزراعي والصناعي.
وأضاف د. رفيق، أن البحيرة معروفة بين المجتمع السكندري منذ زمن طويل، وأنهم تربوا عليها، وكانت متسع مائي وهوائي، إلا أنه تم انتزاع أجزاء منها لإقامة منتجعات سياحية لفئة محددة في المجتمع، ولم يستفيد منها أهل المنطقة بشيء.

من تقرير وزارة البية عن البحيرة

وفقاً لآخر تقارير الرصد البيئي الصادر عن وزارة الدولة لشئون البيئة، فإن التلوث في بحيرة مريوط قد وصل إلى حد بالغ الخطورة على حياة الإنسان والحياة البرية والبحرية، حيث أثبتت قياسات نسبة البكتيريا في مياه البحيرة، وفق المقاييس العالمية لجودة المياه من وجهة نظر الصحة العامة للإنسان، وذلك عن طريق قياس أعداد البكتيريا في المياه كمؤشر على وجود بكتيريا مسببة للأمراض الخطيرة، حيث وجد أن أغلب أحواض بحيرة مريوط يتواجد بها أعداد من البكتيريا الضارة الملوثة بشكل خطير، بما يعني أن البحيرة قد أصبحت خطراً على الحياة إذا استمر معدل التلوث بها على هذا النحو.

بل إن التقرير الصادر في مايو 2016 عن وزارة البيئة، أشار إلى أن جميع المزارع السمكية في جميع أحواض بحيرة مريوط، قد سجلت أعداداً كبيرة جداً من البكتيريا تفوق النسبة المسموح بها وتعتبر ملوثة وغير صالحة لتربية الأسماك! بما يعني أن أسماكها غير صالحة للاستهلاك الآدمي!!!

من تقرير وزارة البيئة عن البحيرة

كما أضاف التقرير المذكور، فيما يخص مصرفي (القلعة والعموم)، – وهما المصدر الرئيسي لمياه البحيرة – وجد أن أعداد البكتيريا تفوق وبشدة الحدود المسموح بها للصرف في مياه البحيرات التي تستقبل مياه الصرف الصحي، وتُعتبر شديدة التلوث ولا يُسمح بصرفها في بحيرة مريوط – وفق نص التقرير-!

يشير المحامي (عبد الرحمن الجوهري) إلى أن البحيرة تمثل جزءًا من تاريخ مصر،  وأنه كما حمل عدد من المواطنين على عاتقهم إثبات مصرية جزيرتي تيران وصنافير، سيأت من يتحمل الدفاع عن البحيرة وحمايتها من السرقة التي تتم لصالح فئة محددة على حساب باقي المصريين. مؤكدا أنه لا يقبل أن يفرط في حق أولاده والأجيال القادمة في بيئتهم التي يتم إهدارها.

فيما يؤكد (عصام داوود)، رئيس نقابة صيادي مريوط، أن نسبة التلوث بالبحيرة أصبحت كبيرة جدا، وأن تجفيفها يأتي لصالح عدد من رجال الأعمال، مشيراً إلى ارتفاع أسعار المعيشة التي تضغط على الصياد مع استمرار أزمة البحيرة.

وأضاف داوود، أنه تقدم والعديد من الصيادين، ببلاغات للجهات المختصة، لفتح تحقيق مع الشركات التي تقوم بعمليات الردم اليومي للبحيرة، ولكن دون جدوى، مضيفاً: “لازم الدولة تتحرك لإنقاذ الصيادين، اللي مش لاقيين  العيش الحاف وبيبيعوا عفش بيوتهم علشان يأكلوا عيالهم”.

البناء على الأجزاء المردومة من البحيرة

 

الجفاف الذي يضرب مساحات شاسعة من البحيرة

 

اترك تعليق