العلاقات المدنية العسكرية بين النظريات التقليدية والحديثة
ورقة بحثية إعداد/ أ. رشاد عبد العال
مقدمة:
شغلت قضية العلاقات المدنية العسكرية اهتمام الكثير من الباحثين، لكونها تمثل حجر الزاوية في أي عملية للتحول والتطور الديمقراطي. وقد احتل ملف العلاقات المدنية العسكرية مكاناً محورياً في الحياة السياسية في العديد من دول العالم الثالث، ولاسيما العالم العربي منذ الانقلاب العسكري الذي شهده العراق في عام 1936 بقيادة الجنرال بكر صدقي، فقد أعقب هذا الانقلاب عدداً من الانقلابات العسكرية الأخرى في شتى أنحاء العالم العربي.
ورغم ما يبدو من تراجع الظاهرة في العالم الثالث في السنوات الأخيرة، بعدما أصبحت البيئة الإقليمية والدولية تجرم الانقلابات العسكرية، حيث نجد على سبيل المثال الاتحاد الأفريقي قد وضع في السنوات الأخيرة قوانين صارمة لردع الانقلابات العسكرية، تحظر تعامل الدول الأعضاء مع أي سلطات انقلابية.
ومن الجدير هنا الإشارة إلي المشكلة التي واجهت مصر عقب إجراءات 3 يوليو 2013 حيث تم تعليق عضويتها من قبل مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والذي استمر لمدة عام تقريباً، وعندما قرر الاتحاد الأفريقي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والتأكد من أن تحرك الجيش لعزل الرئيس محمد مرسي قد تم بإرادة ورضا شعبي، قام برفع قرار التعليق. ومع ذلك فإن عجز النخب المدنية في قضايا التنمية وتنامي الإرهاب وفشل إدارة العلاقات المدنية العسكرية ووجود إدارة أمريكية جديدة لا تهتم كثيراً بقضايا الحريات والدمقرطة بقدر اهتمامها بمنطق الصفقات والأرباح والخسائر الآنية، قد يفتح الباب من جديد على تدخل العسكريين في الحياة المدنية الذي قد يأخذ أشكالا مباشرة أو غير مباشرة.
أولاً: مفهوم العلاقات المدنية العسكرية
دراسة العلاقة بين المدنيين والعسكريين تتسم بالضبابية، ولايوجد اتفاق حول مفهوم العلاقة بينهما، وثمة نظريات عديدة قد تناولت تلك العلاقة، ونستطيع أن نوجز هذة النظريات فيما يلي:
– النظرية التقليدية الأمريكية فى دراسة العلاقات المدنية العسكرية
وتقوم على مبدأ الجندى المحترف والفعالية العسكرية والسيطرة المدنية، ومن أهم إسهاماتها ما قدمه صمويل هنتجنتون وموريس جانووتيز:
إسهامات صمويل هنتجنتون:
يناقش هنتنجتون العلاقات المدنية العسكرية كمتغير تفسيري، ورأى أن طبيعتها لها تأثير مهم على الفعالية العسكرية، ورغم ذلك فإن الطريقة التي تصاغ بها هذه العلاقة تؤدى إلى الإشكالية، والاحتراف كما يعرفها هنتنجتون هى مؤشر لقياس درجة الفعالية.
حيث طرح نموذج يوضح من خلاله رؤيته لدور العسكريين فى النظم الديمقراطية، ودوره فى النظام السياسى القائم على مبدأ الاحتراف وعدم التدخل فى الحياة السياسة، وذلك من خلال تنفيذ وإنجاز السياسة الدفاعية، والطريقة الوحيدة للحفاظ على الكفاءة المهنية العسكرية، في سياق ليبرالي هو التأكد من أن الجيش لديه الحد الأدنى من السلطة السياسية.
وفى إطار هذه الرؤية يؤكد صمويل هنتجتنون، أن الجيش المحترف يتسم بمجموعة من الخصائص أهمها:
1- الخبرة:
حيث يعمل الجندى فى إطار منظمة وظيفتها الأساسية هى استعمال القوة وإدارة العنف، كما أنه خبير فى مجال معرفي محدد، ويملك مهارات محددة فى هذا المجال بعد فترة كافية من التعليم والخبرة، إلى جانب معرفة متخصصة يتلقاها فى إطار المنظمة العسكرية.
2 – المسئولية الاجتماعية:
يتحمل أفراد المؤسسة العسكرية باختلاف درجاتهم ورتبهم العسكرية، مسئولية اجتماعية على درجة كبيرة من الأهمية، تتمثل فى تحملهم مسئولية الدفاع عن الدولة، وذلك لأن الجندى المحترف يقوم بدور هام لاستمرار المجتمع من خلال وظيفة الحماية والأمن.
3 – التضامن الجماعي الداخلي:
يتمتع أفراد المؤسسة العسكرية بدرجة من التضامن الجماعي الداخلي، وذلك نتيجة شعورهم بالتفرد المهني والتميز فى أداء المهام الموكلة إليهم، وذلك نظراً لما يتمتعون به من عقلية عسكرية تعكس الصورة الذاتية للعسكريين عن أنفسهم وحدود دورهم فى المجتمع.
ويقترح صمويل هنتجتنون أسلوبين لتحقيق وإحكام السيطرة المدنية على العسكريين:
الأول: سيطرة مدنية ذاتية
يرى صمويل هنتجتون أنه يمكن تحقيق السيطرة المدنية على العسكريين، من خلال تعظيم قوة المدنيين فى مواجهة العسكريين، ويمكن أن يحدث هذا حتى ولو كانت المصالح متعارضة بين الجماعات المدنية ذاتها. ويؤكد على أن تعظيم مصالح المدنيين فى مواجهة العسكريين، لا يشترط أن يحدث من قبل كافة القطاعات المدنية، بل يمكن أن تقوم به بعض القطاعات المدنية.
الثاني: سيطرة مدنية موضوعية
من الممكن تحديد التوازن بين العسكريين والسلطة المدنية، من خلال سيطرة مدنية موضوعية، حيث من خلالها تتم السيطرة المدنية ويزيد الأمن في نفس الوقت، حيث يرى أنه يمكن تحقيق هذا النوع من السيطرة من خلال زيادة درجة الاحتراف بين العسكريين، والاعتراف باستقلالية العسكريين وتحويل العسكريين إلى أداة فى يد الدولة. وهذا النوع من الاحتراف هو الذى يحقق زيادة درجة الاحتراف، ويضمن الحياد السياسي لأعضاء المؤسسة العسكرية.
إسهامات موريس جانووتيز:
يناقش موريس جانووتيز، الفعالية العسكرية، ولكن ليس فى إطار أن العلاقات المدنية والعسكرية بمثابة متغير تفسيري، حيث أن المتغير التفسيرى لن يشكل فعالية الجيش، وقال أنه يبني حجته لقوة الجيش على تقييمه للاحتياجات العسكرية للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولذلك فإن قبول مثل هذا الدور من قبل الجيش سيكون له أيضاً تأثير مفيد على طابع العلاقات المدنية العسكرية والسيطرة المدنية.
ويرى أن تدخل العسكريين فى النظم الديمقراطية، يكون محدود وعادة ما يقتصر تأثيرهم على مجال السياسة الخارجية وسياسات الدفاع، حيث تمارس النخبة السياسية السيطرة على العسكريين من خلال مجموعة من القواعد الرسمية التى تحدد مهام العسكريين والظروف التى يمارسون دورهم فى إطارها، وخاصة تلك القواعد التى تستثنى العسكريين من التدخل فى السياسات، وتقوم على أنهم محترفين، ولهم مجال مهني مختلف، ويجب أن يستبعدوا من ممارسة أى دور سياسي, ولكنه يؤكد على حدوث تطور فى النظرية التقليدية التى تقوم على الحياد السياسي للجيش، حيث أن نموذج العلاقات المدنية العسكرية، لابد وأن يؤكد على ضرورة مشاركة العسكريين فى وضع أسس النظام الديموقراطى، وذلك لأنه من الصعوبة النظر إلى العسكريين كمحايدين حيث أن ذلك يعنى أنهم مرتزقة وليسوا مواطنين، ولذلك لابد وأن يكون لهم توجه سياسي، بالرغم من استمرار عدم مشاركتهم فى السياسات.
وقد ميز هذا النموذج بين خمس أنماط للعلاقات المدنية العسكرية، من خلال خمسة أنماط للنظم السياسية وهى كالتالي:
– نظم تنافسية ديموقراطية
يتسم هذا النمط بوجود سيطرة مدنية تحد من دور العسكريين.
– نظام تحالف عسكري مدني
يعكس هذا النظام نموذجاً يتولى فيه المدنيون الحكم بناءاً على دعم من العسكريين أو الجيش الذى يظل فاعلاً سياسياً، وربما يتصرف بشكل غير رسمي كحكم بين الجماعات السياسية المتنافسة.
– نظم أوليجاركية
هذة النظم تتميز بوجود حكم عسكري نشط تتولى فيه الحكم نخبة عسكرية.
– نظم سيطرة سلطوية شخصية
هذه النظم يسيطر فيها الحاكم على الجيش حتى يظل فى السلطة، ويعتمد على القوة الشخصية والتقليدية، وعادة ما يقوم باتخاذ كافة القرارات المتعلقة بالعسكريين، مما يؤدى إلى إضعاف فعاليتهم.
– نظم حزب واحد جماهيري سلطوي
فى ظل هذا النظام يكون حجم الجيش صغيراً ويقع تحت السيطرة المدنية، ويوجد توازن بينه وبين القوى الأخرى التى تحمي الرئيس.
– النظريات الحديثة فى دراسة العلاقات المدنية العسكرية
بعد امتداد موجة التحول نحو الديموقراطية، لتشمل دول شرق أوروبا وعديد من دول العالم الثالث، تعرضت النظرية التقليدية فى دراسة العلاقات المدنية العسكرية إلى العديد من الانتقادات، وتعتبر نظرية التوافق ونظرية اقتسام السلطة طرح نظري حديث، يتجاوز الانتقادات التى تعرضت لها النظرية التقليدية فى دراسة العلاقات المدنية العسكرية، ونظرية التوافق ونظرية اقتسام السلطة هى نظريات حديثة تفادت الانتقادات التى تعرضت لها النظرية التقليدية وهى كالتالي:
نظرية التوافق:
وقد طرحت ريبيكاشيف هذه النظرية بهدف التأكيد على الفصل بين العسكريين والمدنيين.
وتقدم هذه النظرية عدة افتراضات وهى كالتالي:
– التأكيد على أهمية الحوار واقتسام القيم والأهداف بين العسكريين والنخب السياسية والمجتمع.
– التأكيد على أن المؤسسات والمتغيرات الثقافية هى التي تمنع أو تعظم احتمالات التدخل العسكري.
– كلما زاد التوافق بين العسكريين والنخبة السياسية والمجتمع تراجعت احتمالات التدخل.
– تؤكد هذه النظرية على أهمية التعاون بين العسكريين والمؤسسات السياسية والمجتمع ككل، كما ترى أن العسكريين والقيادة السياسية والمواطنين هم شركاء.
وتعتمد هذه النظرية على ثلات مستويات رئيسية للتحليل وهم العسكريون، والقيادة السياسية، المواطنون. وقد حددت النظرية عدة معايير كأساس للتوافق بين العسكريين والمدنيين، وتتمثل هذه المعايير فى التكوين الاجتماعى للضباط، وعملية صنع القرارات السياسية، وطرق التجنيد ونمط المؤسسة العسكرية.
نظرية اقتسام السلطة:
وقد طرح “دوجلاس بلاند” هذه النظرية، حيث تقوم على أساس أن للعسكريين دورهم فى مجالات الدفاع بشكل أساسي، إلى جانب دورهم فى حفظ الأمن الداخلي وقت الضرورة.
تقوم نظرية اقتسام السلطة على افتراضين هما:
– أن السيطرة المدنية على العسكريين قد تحققت ومستمرة من خلال اقتسام السلطة، حيث أن لكل من المدنيين والعسكريين مسئولياته تجاه جوانب معينة يحاسب عليها، ولا يكون هناك تداخل بين المسئوليات.
– وهناك مصدر واحد لتوجيه العسكريين نابع من المدنيين المنتخبين خارج المؤسسة العسكرية, والسيطرة المدنية هنا عملية متغيرة وديناميكية، تتغير وفقاً للأفكار والقيم والظروف المحيطة والقضايا والمسئوليات والضغوط المرتبطة بالأزمات والحروب.
ويرى “دوجلاس بلاند” أنه لا يوجد تعارض بين اقتسام المسئولية والسيطرة المدنية، حيث أن اقتسام السلطة بين العسكريين والمدنيين يرجع إلى أنهما يتشاركان فى اتخاذ القرارات فى قضايا، مثل
القضايا الاستراتيجية، والتي تتضمن مجموعة من القرارات المتعلقة بشئون الدفاع.
إن الافتراضات التى تقوم عليها نظرية التوافق ونظرية اقتسام السلطة تنطبق على الدول الديموقراطية والدول حديثة التحول نحو الديموقراطية، حيث يكون للعسكريين دورهم فى صنع القرارات المتعلقة بالقضايا الدفاعية وكيفية استخدام وتوظيف القوات المسلحة فى ظل السيطرة المدنية، كما أن هذه النظرية تعكس الأبعاد الثقافية والتاريخية والجذور الاجتماعية للعلاقات المدنية العسكرية مما يساعد فى التحليل.
ثانيا – أسباب وعوامل تدخل الجيش فى الحياة السياسية
يؤكد الواقع في العديد من دول العالم الثالث أن العسكريين لا ينسحبون، إلا ويعودوا الى الحكم مرة أخرى بعد فترة زمنية، ووفق كثير من الدول التى شهدت سيطرة العسكريين على الحكم، مع وجود رغبة قوية لدى النخبة العسكرية الحاكمة فى الاستمرار والاحتفاظ بزمام الأمور، ولذلك فإنهم يسعون إلى إضفاء نوع من الشرعية على حكمهم العسكري، من خلال إنشاء حزب سياسي مسيطر وإجراء إنتخابات رئاسية أو برلمانية.
تدخل المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية له عدة أنماط، منها:
(1) نمط جماعة الضغط:
حيث تلعب المؤسسة العسكرية دور جماعة الضغط، ويكون تأثيرهم على العملية السياسية فى محيط يتصل مباشرة بالدور العسكري وخاصة عملية صنع سياسة الأمن القومي، ويظهر هذا النمط في الدول التى تتمتع بدرجة عالية من المؤسسية، وعادة ما تكون الدول المتقدمة.
(2) النمط الانقلابي:
حيث يكون السيطرة على الحكم مطمع العسكريين، ويسود عدم احترام مبدأ السيطرة المدنية على العسكريين، وتكون النخب ضعيفة وغير قادرة على أن تكون حائل بين العسكريين وبين السلطة، ويطلق على هذه الجيوش مصطلح “الجيوش البريتورية” التي ترى في نفسها البديل الأوحد للفوضى السياسية، حيث تصبح مسألة العودة إلى الثكنات غير مطروحة أو تطرح بصفة نادرة. وهي تعمل على المحافظة على سلطتها وتعظيم قوتها، كما تحرص على إضعاف السياسيين والمجتمع المدني.
(3) نمط العلاقات المدنية العسكرية المتداخلة:
ساد هذا الشكل من العلاقات فى إطار النظم الشيوعية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويتسم هذا النمط بوجود مؤسسة عسكرية تقوم بتنفيذ الأهداف والمبادئ التى يضعها الحزب الشيوعي، وفى هذا الإطار يمثل العسكريين جزء من النخبة الحاكمة، ويرتبط هذا النمط بوجود جيش ثوري يمثل أداة للشعب والحزب. ولذلك يمتد دوره إلى مجالات السياسة التعليمية والثقافية والصحية. ومن هنا يطلق على هذا الشكل، نمط علاقات مدنية عسكرية متداخلة أو متغلغلة.
(4) نمط العلاقات المدنية العسكرية الديموقراطية:
يقوم هذا النمط على التأكيد على السيطرة المدنية وضرورة الفصل بين المدنيين والعسكريين، كضمان لعدم تدخل العسكريين فى الحياة السياسية، وتمثل الدول الغربية الديموقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة الصورة المثلى لهذا النموذج.
(5) النمط البريتوري:
يشير إلى حالة تتميز بضعف الهياكل والمؤسسات السياسية فى الدولة، وغياب الشرعية سواء على مستوى القيادة السياسية أو النظام السياسي ككل، مما يتيح الفرصة للعسكريين بالتدخل السياسي.
العوامل السياسية وراء تدخل المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية، ترجع إلى:
1 – مشكلة الخلافة السياسية:
أي طريقة انتقال السلطة من قائد إلى آخر، أي هل هناك طريقة تكفل اختيار قائد سياسي جديد أو تنحية قائد معين؟ .. ففى الدول الديمقراطية، يتم ذلك من خلال عملية سياسية حيث تتم من خلال انتخابات دورية، يمتلك فيها المواطن حرية الاختيار، أما فى دول العالم الثالث فلا يحدث ذلك، حيث تكون الطريقة الوحيدة لتنحية الحاكم هى تدخل المؤسسة العسكرية.
2 – الصراعات والانقسامات السياسية بين أفراد النخب الحاكمة:
3 – التحلل التنظيمي لنظام الحزب الواحد:
تناقص هيبته وعجزه عن تحريك الجماهير وتعبئتها، وحتى المنظمات الجماهيرية التابعة له، أو المتحالفة معه، واتجاهه صوب القضاء على المعارضة، ولذلك يشكل التحلل وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن أن ضعف السلطة يعد دافعاً ومشجعاً للتدخل العسكري.
وهناك عدة حقائق لا يمكن تجاهلها:
(1) لا ينجح قادة التحول في معالجة هذه المسائل في كل الحالات، ففى بعض الحالات تنتقل الدولة إلى نظام حكم ديمقراطي، وفى حالات أخرى تنتقل إلى نظام حكم مطلق، وفى حالات أخرى تنتقل إلى حكم شبه ديمقراطي.
(2) كلما كان للجيش الدور الأبرز أثناء المرحلة الانتقالية، كان من الصعب معالجة العلاقات المدنية العسكرية. فأي تنازلات رسمية أو غير رسمية تقدمها القوى السياسية للجيش في المراحل الانتقالية، ستؤثر بالسلب على قدرة هذه القوى على التفاوض بعد الانتقال.
(3) كلما كانت الحكومة موسعة وتحظى بقبول شعبي واسع، كانت المعالجة أقل صعوبة.
(4) تتأثر المهمة بالسلب أيضاً إذا لم تفتح قنوات للحوار والتفاوض بين المدنيين والعسكريين، وينتشر بالتبعية سوء فهم وعدم ثقة متبادلة.
(5) لا يُمنح الجيش مكانة مميزة في دساتير الدول التي شيدت انتقالاً ناجحاً، و كلما ارتفعت شعبية الحكومات المنتخبة كلما قلت الحاجة إلى استدعاء الجيش للحفاظ على الدولة. لهذا كانت تقوية مؤسسات الدولة وتدعيم الديمقراطية في غاية الأهمية.
خاتمة:
إن محاولات تطبيق نموذج العلاقات المدنية العسكرية في الدول الراسخة ديمقراطياً، على دول العالم الثالث التي مازالت تخطو خطواتها الأولي في مسار طويل من التحول الديمقراطي، هي في الحقيقة محاولات منزوعة من سياقها التاريخي ومحكومة بالفشل. حيث يعد خضوع العسكريين لقيادة مدنية ديمقراطية هي عملية معقدة، تتطلب الكثير من الجهد والمثابرة، عبر المساومات والحلول الوسط، وتغليب نظرية التوافق في العلاقة بين المدنيين والعسكريين، والعمل على إدخال حزمة من الإصلاحات الدستورية، وبناء المؤسسات الديمقراطية والوسيطة الفعالة وعلى رأسها الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وقيام مؤسسات التنشئة السياسية بدورها في نشر قيم التسامح وقبول الآخر. في النهاية لابد أن تتولد قناعة لدي الأطراف المدنية والعسكرية على السواء، بأن المصالح العليا للأوطان تقتضي عدم الولوج في معارك صفرية، وضرورة البدء في بناء معادلة جديدة يخرج منها الجميع فائزاً، من خلال رؤية مشتركة تتمحور حول كيفية بناء مجتمع ناهض ومتطور. والحقيقة فإن تنظيم هذة العلاقة تعد وبحق جوهرة التاج في عملية التحول الديمقراطي، حيث في حال نجاحها تتمكن الدول من أن تقطع خطوات مهمة في عملية التحول مثلما حدث في البرازيل وأسبانيا، بينما في حال إخفاقها فإنها تشهد ردة وانتكاسة، والعودة إلي التسلطية التي كانت قائمة قبل البدء في عملية التحول الديمقراطي، مثل باكستان والسودان.