أعترف أننا أصبحنا نعيش فى جمهورية بيسو، أصبحنا العشوائية هى التي تحكم تصرفاتنا، وصار الخروج عن النظام، وتجاوز القانون هو منهجنا، باختصار، بينما تسير أغلب الأمم من حولنا فى الاتجاه الصحيح، صرنا نحن فقط الذين نسير عكس الاتجاه.
وببيسو هذا الذى نحن بصدد تناول شخصيته، هو شخصية غريبة مليئة بالمتناقضات تعيش فى مجتمعنا، وأكاد أجزم أنها شخصية مصرية صرف، ولا أبالغ حين أقول أننى أحس أنها شخصية ولدت فى الإسكندرية تحديداً، وتستطيع أن تعرف هذا البيسو دون ان يدلك أحد، ودون أى عناء، تعرفه من ملبسه، من طريقة كلامه، من مشيته، من تصرفاته.
بيسو لا يعترف مطلقاً بالصوت الواطى، فهو حين يتكلم، تسمعه أمة لا إله إلا الله فى كل المنطقة، ده طبعاً بالإضافة إلى ضرورة مصاحبة كلامه ببعض المؤثرات الصوتيه التى تخرج من الأنف، والتى قد يتأفف من سماعها البعض ويعتبرون مجرد ذكر إسمها عيباً كبيراً، ولكن البيسو يعتبرها فلكلوراً شعبيا لا يستطيع التخلى عنه.
وبيسو حين يتكلم، لا بد ان يعوج فمه، قد يخيل لك انه مصاب بشلل فى الوجه، أو عيب خلقى، لكنه لزوم التميز، لا بد من حتة عوجة فى الفم مع زر للشفايف، وشفطة مع كل حرف، وصفير يخرج من فمه كأنك قاعد فى شقه على البحر فى عز الشتا وزجاج الشباكً مش حابك، وسامع صوت الزعابيب بره.
وبيسو يحب المشاركة الوجدانية، فهو عندما يتحدث إليك ينظر باتجاه شخص آخر، ويود لو كان حديثه معك فى الأوتوبيس، أن يشرك كل الركاب فى الحوار، وقد يقتضى الأمر أن ينبه رجلاً يبدو عليه أنه لا يعنيه الأمر، بلكزة فى يده قائلاً: واخد بالك معايا لا مؤاخذه يا باشمهندس.
وبيسو مغرم جداً بكلمة لا مؤاخذة، وهو يقولها بين كل كلمة وكلمة، مع أن الموضوع مش محتاج أبدا ًللامؤاخذه، وطبعاً بيسو لا يعترف لا بأطباء ولا ضباط ولا محامين، فالكل فى نظره باشمهندس، أنا شخصياً لن أنسى عندما خلعت لبيسو ضرساً فى بداية الثمانينات، ومن شدة إعجابه بى رزعنى على كتفى بكف إيده قائلاً: تسلم إيدك يا باشمهندس، لا مؤاخذه إنت حريف.
وبيسو حين يمشى، لا يعترف بالخط المستقيم، وبيحب الزجزاج، ولا زم هو شخصياً يمشى معووج، ودراعاته بتتحرك فى كل اتجاه وهو ماشى، وطبعاً بيسو لا يتنازل عن السيجارة، وهو بيسميها (سوجارة)، وهو لا يدخن كباقى المدخنين، ولكنه ياكل السيجارة أكل، ويمسكها بطراطيف الإبهام والسبابه، وحين ينتهى من تدخينها، ينطرها بقوة واحتراف بطرف الأظافر، وهى ورزقها بقى، تروح فى عب واحد على الرصيف التانى، أو تنزل فى عربية زبالة تولعها، يعنى باختصار يستحسن لما تشوفه جاى من على رصيف، تغير للرصيف التانى، أو يا ريت تسيب الشارع كله، لانك ممكن تترزع كوع فى جنبك، دون قصد طبعاً، أو تلاقى كراكة دايسة على رجلك فارماها، وبرضو دون قصد، أو على أقل تقدير تلاقى لسعة سيجارة فى وشك، أو طافية فى قفاك لأن هذا البيسو ماشى مش باصص للطريق، هو فيه حاجه محددة فى دماغ أهله، هو بس اللى عارفها وشايفها.
وبيسو يختار ملابسه بعناية شديدة، واعتقد أنا شخصياً إنه بيتعب كتير عشان يوفق التوليفة بنت الكلب اللى لابسها دى، منطلون (وليس بنطلون) بنفسجى شبه إزازة الجنتيانا، على قميص أخضر زرعى شبه غيط البرسيم المروى، على جزمة فارنيه حمرا، مش عارف جاب أمها منين، على حزام ازرق فارنيه برضو شبه الأحزمة اللى كان بيلبسها المرحوم زين العشماوى، يعنى الراجل لف كتير عشان يجيب التشكيلة دى، أنا شخصياً بقول أكيد فيه محلات لبيع مستلزمات البيسو، تروح تلاقى فيها اللى إنت عايزه من غير ما تتعب نفسك، تمام كده زى المحل بتاع باكوس اللى بيبيع فساتين وبلوزات مذيعات القناة الخامسة.
وبيسو مش عارف مين قال له أن لون شعره لما يبقى أصفر ح يليق عليه، راح ضاربه أوكسيجين، على فازلين، بقت راسه شبه ترماى الحضرة المعفرة وهى داخلة المخزن آخر النهار.
وبيسو يعيش فى مجتمعه الخاص مع أصدقائه حمو، أنّح، روما، الكنّو، والضانى، وبييسو رقيق المشاعر، وبيحب البنت حلاوة، بنت الحتة، وبيغير عليها من الهوا الطاير، وياسلام لما تشوفه خارج معاها هى، وصديق عمره حمّو، ونونّة صاحبتها، وبيقضوا يوم فى النزهة، أو سهرة فى سيما بلازا.
وهناك أنواع كثيرة من البيسو، سوف نتحدث عنها، لكن كلها تتفق فى قاسم مشترك، وهو أن شخصية بيسو شخصية ثرية جداً، ولذيذة للغاية.
( القشاش )