الدكتور قدري نوار يكتب : بيسو الفسخانى

2

إعتاد بيسو أن يحشر نفسه فى أى مناسبة، وينتهزها فرصة لتقليب عيشه، فهو بائع الكازوزة فى مدرجات ستاد الاسكندرية أثناء مباريات كرة القدم، وهو اتحداوى حتى النخاع، وهو يستمتع بذلك، برغم أن مباريات نادى الاتحاد السكندرى تقف بخسارة عليه،فهو مع كل هدف للاتحاد يوزع زجاجات المياه الغازية على الجمهور مجاناً، ومع كل اعتراض على حكم المبارة، يلقى بالزجاجات فى الملعب.
بيسو أيضاً هو بائع الفريسكا فى الصيف نهاراً، ويبيعها للمصيفين عنوة، وينتقى بفراسته المصيفين البسطاء من أهل الريف موهماً إياهم بأنه مسموح لهم فقط بالجلوس على الشاطىء بشرط أن يكون فى يد كل واحد منهم قطعة من الفريسكا، حتى من يرفض بحجة أنه نازل البحر للسباحة، يأمره بشرائها، ويقول له : يا عم عوم، هوّ حد حايشك، بس ارفع إيدك وانت فى الميه علشان ما تتبلش منك، وحتى لو اتبلت، ما تاكلها، واعتبرها فتة، مش انتم بتسقّوا العيش الناشف فى المرقة، على الأقل دى فيها عسل.
وفى ليالى الصيف، هو بائع الترمس على الكورنيش، ويبيعه أيضاً عنوة، وبالحباية، العشرة بجنيه، عاجبك تاخد، مش عاجبك تقوم من هنا.
إستعد بيسو لشم النسيم جيداً، وحسبها بينه وبين نفسه، لو ح يجيب كيلو السمك البورى بستين جنيه، ويملحه بنفسه، ويبيعه، قول بمية وخمسين جنيه، يبقى هو كده كسبان حوالى خمسة وثمانين جنيه، بعد خصم سعر الملح، يعنى لو باع له عشرين كيلو، ح يكسب له الف وسبعميت جنيه فى ساعتين زمن، أما بقى لو جاب أى سمك مش بورى، واعتمد على إن ريحة النتانة ح تفرض نفسها، ممكن يكسب قد كدة مرتين تلاتة.وقام على سوق الحضرة، إشترى عشرين كيلوا سمك شاخورة.
وعشان بيسو بيخاف موت من أمه، وعنده إنذار بالطرد من البيت بعد ما فك لمبات الشقة وباعها فى سوق الجمعة، خاف من امه لتشم ريحة النتانة وتبقى وقعته سودة، ومخه هداه يفسخ السمك فى الخزانة اللى تحت غِيّة الحمام اللى عاملها فوق السطوح، إعتماداً على إن مفيش حد له رجل عليها غيره.
طبعاً بيسو لا عمره شاف حد بيفسخ سمك، ولا حتى سمع، وقال لنفسه هىّ كيميا، والّا كيميا، وراح راصص السمك فى كام صينية، وراشش عليه ملح، وسابه فى الخزانة إسبوعين.
قبل شم النسيم بيوم طلّع السمك لقاه اتهرى، ومعالمه راحت، وريحة النتانة ضاربة فى السطح كله، قال لنفسه أحطه فى الشمس يوم ينشف، ويمسك نفسه، تانى يوم طلع يجيبه لقى القطط واكلة نصة، ونايمين مشددين جانبه، وبرج الحمام فاضى، والحمام كله طفش من ريحة البكابورت المفتوح.
فَرَش بيسو بضاعته فى جنينة النزهة من بدرى ، ودق شمسية مكتوب عليها ” فسيخ بيسو النتن….. للنتانة أصول “، وقعد مجعوص تحتها.
طبعاً كان ملحوظ جداً إن مفيش بنى آدم موجود فى دائرة قطرها عشرين متر من مكان تواجد بيسو، كانت كل الناس بتهرب من ريحة النتانة، وكان بيسو كل ما تهرب الناس، يخلع الشمسية ويدقها فى مكان تانى مزدحم، ومفيش دقايق، والناس تقوم تهرب من الريحة.
بيسو قال لك مش نافع استنى المشترى، لازم أروح له لحد عنده، وأخد صينية فسيخ وقعد يلف على الناس، وكل ما يقرب من مجموعة، يطلعوا المناديل ويسدوا مناخيرهم.
أخيراً وجد بيسو ضالته المفقودة فى شلة من بلدياتنا. واحد فيهم شبه الرجل الأخضر، وشكله بيفهم شوية مسك فسيخة وقال له:
– دى مش بورى يا وِلد عمى.
– أمال دى كابوريا يا ابو العريف،،،،هكذا قال بيسو، وهو يشير للسمكة مواصلاً حديثه.
– مش دى عين؟، وده خشم؟، هوّ البورى فيه ايه زيادة عن كده؟، عايز السمك يقول لك انا بورى عشان تصدق، وبعدين انت مالك ومال المنظر، ما تدوق الأول وتشوف.
يادوب بيسو أنهى البيعة للزبائن، وغاب داخل الزحام، وما هى إلا نص ساعة وبص لقى أصحاب بلدياتنا اللى أخد منه القسيخ ومعاهم عسكرى بيدوروا عليه، وسمع واحد بيقول: أهو ابن الفرطوس اللى كان ح يموت ولد عمى يا بيه، وهات يا جرى، والجنينة كلها بتجرى وراه، وصوت الإسعاف فى الخلفية، وما كانش قدامه غير إنه ينط من على السور، ويضرب غُطس بهدومه فى ترعة المحمودية.
د.قدرى نوار
القشاش

تعليق
  1. حسن أحمد محمود يقول

    من أجمل ما كتب في الأدب الساخر خلال العشرين سنة الماضية سلسلة ( أيوووووووووووووه يا بيسو ) …. أحسنت

  2. جيهان كمال الدين يقول

    امتر من راااائع دكتور قدري يسلم قلمك واسلوبك الساخر الجميل

اترك تعليق