وقفت مشدوداً فاغراً فاهى وأنا أتأمل أعجوبة الدنيا الثامنة، برج بيسو المائل، هذا البناء الإسطورى الذى شيده المهندس بيسو طَسْلَقْها، والذى يرتفع أربعة عشر طابقاً فى حارة لا يتعدى عرضها أربعة أمتار، وتعجبت كيف أنه مال كل هذا الميل، فعبر الحارة، وعانق العمارة المقابلة، ووقفا سوياً متعانقين فى صفاء ومودة، متحدِّيَين كل قوانين الفيزياء، وكان لى أن أسال سيادة اللواء فالح السلكاوى رئيس حى وسط مدينة بيسو، والذى لا يبتعد مكتبه عن مكان البرج سوى أمتار قليلة، وتركته يشرح لى فى زهو دون أن أقاطعه أصل الحكاية:
– شوف يا باشا، البرج ده زى ما سيادتك شوفته كده إعجاز هندسى، وخلّى بالك الميول بتاعه ده مش عيب، ده مقصود، والحكاية أصلها ان المعلم حنكورة الهلّيب لما فكر يبنى حتة الأرض وجالنا هنا يطلّع الترخيص، أنا بذات نفسى اللى دلّيته على المهندس بيسو طَسْلَقْها، وراح له اتفق معاه، وعرض عليه نماذج كتيرة بس ما عجبتهوش، وبعدين لما غُلب حماره، قال له أيه رايك أعمل لك حاجة ما اتعملتش ولا ح تتعمل قبل كده، أعمل لك عمارة بتميل، ولما سأله بتميل ازاى لا مؤاخذه، قام راسمهاله، وقال له دى بتميل حبة وترجع تانى، ونقدر نتحكم فى ميلانها، بحيث تميل الجمعة دى على العمارة اللى قدامها، والجمعة اللى بعدها على اللى وراها، وتريح لها جمعة فى مكانها، وبعدين تميل جمعة يمين، وجمعة شمال، وقبل ما يسأله المعلم، طيب ولزوم الميلان ده أيه، قال له انا عارف انك كنت ح تسألنى السؤال ده، بص يا سيدى، دلوقتى لما تكون الست بتاعتك لا مؤاخذة عايزة مثلاً تزور الست جارتها اللى فى العمارة اللى قدّامها، والأسانسير متعطّل، ح تستنى ميعاد الميلان، وهوب ح تلاقى بلكونتكم لازقة فى بلكونة الجيران، وابنك لامؤاخذة لو له شوق فى بنت الجيران اللى فى العمارة اللى وراك، ما هو يقدر يستنى ميعاد الميول الورّانى، وفى طرفة عين يلاقى نفسه نازل فى أوضة نومها، وبعدين أنا ممكن اعمل لك البرج مايل ما بيرجعش، بحيث إنت لو فى يوم حبيت تشترى البيت اللى قدامك وتهده وتطلع ببرج مكانه، يبقى كده انت تقدر تعمل اللى ما عملهوش حد قبلك، تقدر تبيع للساكن شقة عِدِلَة فاتحة على شقة مايلة، واهى العيال تقدر تمرجح نفسها فيها، بلاش كده، إنت عارف ان الشقة فى العمارة المايلة دى مش محتاجة تنضيف، أيوه امّال زى ما بقول لك كده، ست البيت من دول لا محتاجة شغالة ولا حتى مكنسة بالكهربا، ديّتها بس يكون نّفّسها جامد، وتنفخ النفخة من دول، التراب كله ح يتزحلق ناحية الحتة المايلة، يا دوب ح يبقى كل اللى عليها إنها تلمّه فى حاجة، ده غير بقى الشهرة اللى ح تاخدها العمارة، وح يخلّى لك المتر فى المحل بالشىء الفلانى.
واستطرد سيادة اللواء:
– واقتنع المعلم حنكورة الهليب بوجهة نظر المهندس بيسو طلسقها، والحمد لله ربنا أنعم علينا، وكِرم المدينة بالبرج ده، وآديك شايف السياح قد أيه واقفين يصوروا البرج، مش ده برضو لا مؤاخذة رواج، وكلّه بيسترزق؟.
لم أستطع أن أقاوم فضولى، وألح عليّ سؤالاً كنت أحاول أن أكتمه فى قلبى، لكنى اضررت لطرحه على سيادة اللواء:
– طيب اسمح لى يا افندم، لو الجيران اللى قدّامى مثلاُ مثلاً يعنى مش مرحبين بموضوع زيارتنا لهم دى،،،،، ولم يتركنى الرجل أكمل، وضحك، وناولنى سيارة، أشعلها لى، ثم قال:
– هىَ حصلت مرة واحدة، والحمد لله قدرنا نلِم الموضوع، كانت عيلة الحاج متولى الحِشَرى فى البرج مش على وفاق مع عيلة الأستاذ عبود العِكِر بسبب فسخ خطوبة ابن ده، على بنت ده، ولما مال البرج عليهم، مسكت مرات الأستاذ عبود، فى مرات الحاج متولى وقالت لها:
– إنتى جاية وجايبالى العمارة كلها معاكى، وجايّة تتهجمى عليّا فى بيتى؟.
ودعت السيد اللواء وانصرفت بعد أن اطمأن قلبى، وسعدت أكثر عندما أعلن تليفزيون مدينة بيسو نبأ أستقرار الرأى على هدم البرج المائل، وتركه فى مكانه محتضناً العمارة المقابلة رمزاً للحب والسلام، ووحدة عنصرى الأمة.