(1)
حدثنى أبى عن زميله عم جـرجس، قال: “زبـال الدنيـا .. زبـال الآخـرة” .. كانا يجلسان حينئذ على شاطىء الأنفوشى .. فى تلك الأوقات، كان بحـرُنا يستقبل الرَوث .. ويلقى الخبَث.
هنا تُـلقى مياه الصرف الصحى، وهناك عشرات السُـفن فى الميناء .. فى جوفـها أطنان من اللبان والشيكولاته والمياه الغازية، (غــزوة البـطون) .. دق طبـولها الرئيس الأمريكى نيكسون .. ورفع رايتها على كورنيش الثـغر .. كان المئات قد اصطفوا لمشاهدته .. فى سيارته المكشوفة .. وبجواره الرئيس السادات .. بينما انتشرت علب البلوبيف والسردين المستورد فى الإسـكندرية.
(2)
لم يكن أبى وزميله عم جـرجس يعلمان شيئا عن ثورة المصـريين الأولى .. خرج مئات الألوف من المحرومين.
عقيدتـهم أن الآخـرة ليست حـكـرا على الأغنياء .. ولا مكان فى جنـة “رع” للفاسـد .. القاتـل .. الخائـن .. وأن مصير الظالمين هو العذاب الأليـم.
قبل أكثر من أربعة آلاف عام كان هتافهم وشعارهم، ضربة البداية فى نضال المصريين، “عـدالة .. كرامـة” .. قبل أن تصبح علامة نصرهم، حريـــة.
(3)
مائة وخمسون عاما من الثورة .. ولم يأتِ النصـر بعد .. فقد رجع الملك إلى قصره، ومعه حلفاؤه الكهنة وقادة الجيش وأمراء الأقاليم.
عاد القضاة إلى المحاكم .. فتحت أقسام الشرطة والسجون أبوابها .. استقبلت مصالح الحكومة موظفيها .. وظهر إلى الوجود مولود اسمه “شـيطنة الثـورة”.
تهمة جديدة فى سجل أقدم دولة وأول حكومة .. فى كل مرة يخرج المصريون فيها فى ثورة أو انتفاضة أو مسيرة .. التهمة جاهـزة، “لقد عطلتم عجلة الإنتـاج .. ونشـرتم الفوضـى”!
(4)
أيتها العجلة المقدسـة .. عندما كنتِ تدورين .. وعندما تآكلتِ .. وعندما أصابك الصدأ .. لمن كان خيرك؟!
لمن كان اللبن والعسل .. والتين والذهب؟!
لمن كان شَرم ويخته .. والجاكوزى وبخاره؟!
أيتها العجلة المقدسـة .. كم كان سـهم أبى وعم جرجس؟!
وأيـن نصـيب من حارب ورجع بلا قَدم؟! .. ومن سـرح بالغنم وحرس مال سيده؟! .. أين نصـيب هؤلاء الذين وصفهم عمنا الفاجومى: “شـحم السـواقى وفحـم المصـانع”؟!!!
… وللحديث بقية،،،