الخلاف السعودي القطري .. الجذور والمآلات
ورقة تقدير موقف صادرة عن وحدة الخبر للدراسات
إعداد الباحث/ رشاد عبد العال
دون سابق إنذار، اتخذت المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات والبحرين ومصر، قراراتٍ عقابية ضد الدوحة في 5 يونيو 2017، تشمل قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وفرض حصار جوي وبري وبحري على قطر، في خطوة تصعيدية ربما تكون غير مسبوقة في تاريخ العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي، وذلك جراء سعي الدوحة الدائم للتدخل في الشؤون الداخلية وانتهاج سياسات من شأنها الإضرار بمصالح الدول المقاطعة.
والملفت للانتباه توقيت اتخاذ القرارات، فقد أتت بعد أقل من أسبوعين من انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية وتوقيعه لاتفاقيات اقتصادية وعسكرية بين البلدين قدرت بعدة مئات من مليارات الدولارات، وأيضاً في إطار تمهيد الطريق أمام الأمير محمد بن سلمان لخلافة والده في سدة الحكم بعد أن تم تصعيده في فجر يوم 21 يونيو إلي ولاية العهد بدلاً من الأمير محمد بن نايف، وقد وصف البعض هذا التصعيد بأنه بمثابة انقلاب في هرم السلطة بالمملكة ومحاولة لوضع اللبنات الأولى لتأسيس المملكة السلمانية.
وأخيراً، فقد تزامنت الإجراءات العقابية ضد قطر مع ظهور العديد من المقالات في صحف غربية وأمريكية، أبرزها ما نُشر في مجلة “فورين بوليسي” بقلم جون هانا، المسؤول السابق في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية، وأحد مستشاري ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، اتهم فيها قطر بدعم الإرهاب ودعم خلالها توجه ترامب بنقل قاعدة العيديد إلى السعودية أو الإمارات. ويمكننا القول إما أن هناك ثمة ضوء أخضر أمريكي لتوقيع عقوبات على قطر. أو أن هناك قراءة وفهم خاص لدي السعوديين بأن الولايات المتحدة على وشك العودة لتحالفاتها القديمة بالمنطقة الممثلة في إسرائيل والسعودية في مستوي أول، ومصر والإمارات والأردن والبحرين في مستوي ثان، وتكوين حلف واسع يضم المستويين في مواجهة التمدد الإيراني المتقاطع في بعض المحاور مع المصالح القطرية والتركية.
وقد بذلت الكويت محاولات لرأب الصدع في الخليج والقيام بالوساطة بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخري، وسط ترحيب أممي وغربي بالدور الكويتي لحلحلة الأزمة، وقد قامت الدول الأربع المقاطعة بتسليم وثيقة مطالب عبر الوسيط الكويتي وطالبت قطر بتنفيذها من أجل رفع العقوبات المفروضة عليها.
وتمثلت أبرز المطالب في إغلاق قناة “الجزيرة” ومنابر إعلامية أخرى (مثل العربي الجديد)، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وطرد عناصر الحرس الثوري الإيراني الموجودة على الأراضي القطرية، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وقيام قطر بدفع تعويضات لدول الحصار مقابل ما وصفته الوثيقة بالضرر الذي ألحقته السياسات القطرية بها، وتسليم جميع أفراد المعارضة من الدول الأربعة الموجودين في دولة قطر إلى بلدانهم وقطع قطر علاقاتها وروابطها مع جماعة الإخوان المسلمين ومع الجماعات الأخرى بما في ذلك حزب الله وتنظيم القاعدة وداعش [1].
وقد أعلنت قطر رفضها لهذة المطالب معتبرة إياها تدخلا في شئونها الداخلية وانتهاكاً لسيادتها، مما دفع الدول الأربعة إلي التلويح بفرض المزيد من العقوبات على قطر وعزلها عن محيطها الخليجي لسنوات قادمة وفق ما صرح به أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات.
وباتت الأزمة تحدث استقطابا إقليمياً ودولياً نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطفة الخليج وكونها منطقة أطماع ونفوذ للقوي الدولية والإقليمية نظراً لموقعها واحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي.
محطات تاريخية في الخلاف السعودي – القطري:
تعود جذور هذة الخلافات إلي بدايات القرن العشرين عندما طالبت السعودية بضم قطر لها باعتبارها جزءاً من إقليم الإحساء، إلا أن بريطانيا اعترضت على ذلك واعترفت بحدود الإمارة القطرية.
وتفاقمت حدة الخلافات بعد اكتشاف النفط والغاز في الخليج العربي، ومارست بريطانيا ضغوطاً من أجل توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين الدولتين والذي تم في عام 1965.
تجددت الخلافات عام 1992 على إثر حادث مركز الخفوس الحدودي الذي يقطنه سكان قبيلة “آل مرة” وأعلنت الحكومة القطرية حينذاك أن المركز تم الاستيلاء عليه من قبل القوات السعودية وقُتل اثنين من الجنود القطريين وطرد الباقين منه.
ومن جديد، عاد الخلاف بين البلدين عام 1995، على إثر اتهام قطر للملكة العربية السعودية باستغلال بعض أفراد قبيلة “آل مرة” والأمير خليفة آل ثاني في عملية الانقلاب الفاشلة ضد الحكومة القطرية، الأمر الذي أدى إلى إسقاط الجنسية وتهجير المئات من رجال القبيلة إلى السعودية بحجة أن من يحمل الجنسية القطرية يجب أن يكون موالياً للعائلة الحاكمة.
وفي عام 1996، حيث اختارت القمة الخليجية التي عُقدت في سلطة عمان الشيخ جميل الحجيلان أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي مقابل مرشح قطر عبد الرحمن العطية، الأمر الذي دفع الأمير حمد بن خليفة للاحتجاج ومقاطعة الجلسة الختامية للقمة.
شبكة قنوات الجزيرة مكون رئيسي في صناعة الأزمة:
تعد شبكة قنوات الجزيرة دُرة التاج، ورأس الحربة للإمارة القطرية في تنفيذ سياسات الشيخ خليفة بن حمد الأشبه براقصو الباليه، عبر إيجاد موطئ قدم لقطر في كل جنبات المسرح الإقليمي العربي، ومحاولة التأثير فيه وتغيير بعض مساراته، بما يساهم في تعظيم دور الإمارة وإضعاف الدول المحورية التي ظلت قرابة الخمسين عاماً تقود النسق الإقليمي العربي ممثلة في مصر والسعودية والعراق وسوريا.
ويتضح من خلال تحليل نهج وسياسات قطر عبر شبكة قنوات الجزيرة، أنها تصب في صالح إسرائيل وإيران مثلما تصب في صالح قطر، فكلاهما استفاد كثيراً من حالات الانقسامات والفوضى التي تعج بها المنطقة. فقد ازداد التمدد الإيراني في اليمن والبحرين وسوريا والعراق بجانب لبنان عبر حزب الله، كما أصبحت إسرائيل أكثر أمناً بعدما انهارت جيوش مركزية عتيدة مثل الجيشين العراقي والسوري، واستنزاف الجيش المصري في سيناء عبر خوضه معارك شبه يومية مع الجماعات التكفيرية.
وساهمت قنوات الجزيرة في توتر العلاقات القطرية – السعودية أيضاً، ففي عام 2002 تطرق برنامج تلفزيوني بثته قناة الجزيرة، واستضافت فيه شخصيات أساءت للملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة ، الأمر الذي دفع السعودية لسحب سفيرها من الدوحة دون الإعلان عن ذلك، ولم تتم إعادة السفير إلا في عام 2007. كما اعتادت قناة الجزيرة استضافة شخصيات سعودية معارضة مقيمة في لندن وفي قطر، تقوم بالهجوم على الأسرة الحاكمة.
وقد أثار الدور الذي قامت به قناة الجزيزة في تأجيج ” ثورات الربيع العربي “، ودعمها لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الكثير من التحفظات وانتقادات المملكة خوفاً من أن تطالها شظايا التغيير أو الفوضى التي تعج بها المنطقة. ولا شك، فإن محتوي شبكة الجزيرة ينم وبوضوح عن عدم قبول قطر لزعامة المملكة العربية السعودية لمجلس التعاون الخليجي!
خلفيات تجدد الخلاف السعودي – القطري:
هناك جملة من الأسباب المعلنة وغير المعلنة عن أسباب تجدد الخلاف، فالسعودية تعلن ارتكاب قطر انتهاكات جسيمة سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض على الخروج على الدولة والمساس بسيادتها واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعات الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة. والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها في شكل دائم في إشارة الى قناة الجزيرة، وكذلك دعم نشاطات “الجماعات الإرهابية” المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة، وفي البحرين الشقيقة.
وقيام قطر بتمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون إلى ضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً.
ودعم ومساندة ميليشيات الحوثي حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن، وشن حملات مدعومة ضد البحرين. وأضاف البيان السعودي أن السعودية منذ “عام 1995 بذلت وأشقاؤها جهوداً مضنية ومتواصلة لحض السلطات في الدوحة على التزام تعهداتها، والتقيد بالاتفاقات، إلا أن هذه السلطات دأبت على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخرها عدم تنفيذها لاتفاق الرياض [2].
ولكن يبدو أن هناك أسباب أخري غير معلنة، فقد أدي تراكم الثروة في قطر ووجود القاعدة الأمريكية على أراضيها إلي جانب امتلاكها لآلة إعلامية ذات حضور وتأثير بالإضافة إلي دبلوماسية نشطة مدعومة بالمال في مراكز صنع القرار الدولي، كل هذا قد هيأ إلي خروج قطر من الحاضنة والوصاية السعودية والذهاب إلي بناء تحالفات اقتصادية وعسكرية مع إيران وتركيا للحيلولة دون إقدام السعودية على عمل عسكري ضدها لقلب نظام الحكم، وقد أدي هذا إلي إثارة حفيظة المملكة التى رأت أن قطر تساهم في توسيع النفوذ الإيراني والتركي على حسابها في منطقة الخليج مما يهدد مصالحها ومصالح حلفائها. ولاسيما عقب تصريحات لأمير قطر لا يعتبر فيها إيران عدواً للامة الإسلامية، وتهئنه للرئيس حسن روحاني بالفوز في الانتخابات، وكذلك بعدما تم تسريب معلومات تشير إلي اتفاق قطر وإيران على تصدير غاز حقل الشمال المشترك بينهما إلي أوروبا عبر خط أنابيب يمر عبر تركيا، وربما هذا ما يفسر سبب التقارب الثلاثي بين قطر وتركيا وإيران.
ومن ضمن الأسباب الكامنة في الخلاف، أن كل طرف يتزعم مشروع منافس للمشروع الآخر. قطر تدعم المشروع الإسلامي الراديكالي الذي تسعى إليه وتعمل من أجله جماعة الإخوان المسلمين، وباتت الدوحة تري أن لديها نفوذاً سياسياً يفوق ما لدى السعودية ومن حقها أن تتزعم المشروع الإسلامي .. في حين أن السعودية لديها مشروعها الإسلامي التقليدي القائم منذ ستينات القرن الماضي على الأحلاف والتكتلات ذات الطابع الإسلامي في مواجهة عبد الناصر وحركة التحرر الوطني العربي والرافض لإحداث أي تغييرات هيكلية في هيراركية نظم الملكيات الوراثية.
وربما هذا ما يفسر حماية السعودية للنظم الملكية في الأردن والمغرب وسلطنة عمان والبحرين، أثناء ثورات الربيع العربي. والسعودية ترى بحكم موقعها الجغرافي والروحي في قلب العالم الإسلامي، أنها مؤهلة أكثر من قطر لقيادة المشروع الإسلامي التقليدي والحفاظ عليه من محاولات العبث به من قبل قطر وحلفائها في تركيا وإيران، وبعض الجماعات الإسلامية الراديكالية.
وأخطر الأسباب الكامنة وراء الخلاف السعودي القطري هو ما يرجعه بعض المحللون إلى محاولة قطر خلق صراع على الحكم في السعودية عبر توجيه أدواتها الإعلامية، في إبراز وتلميع دور محمد بن نايف ولي العهد السابق، الرجل القوي صاحب الباع الطويل في ملاحقة الإرهابيين والمسلحين داخل المملكة والذي يعد صديقاً مقرباً من الأمير تميم حاكم قطر، وتجاهل محمد بن سلمان، مما دفع السعودية إلي حجب المواقع الإخبارية القطرية لتمرير سيناريو الإطاحة بولي العهد وتصعيد محمد بن سلمان بدلاً منه بهدوء بعيداً عن ضجيج الإعلام القطري.
وفي هذا السياق تشير بعض التقارير إلي الدور الذي قام به محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي عبر يوسف العتيبة سفير الإمارات بواشنطن في إقناع عناصر نافذة في صناعة القرار الأمريكي بالموافقة على التعديلات في تراتبية هرم السلطة في السعودية.
تداعيات الخلاف السعودي – القطري إقليمياً ودولياً:
تعد الأزمة الراهنة وتفاعلاتها كاشفة، أن ثمة تغيرات جديدة على وشك أن تمر بها المنطقة، وأن نمط العلاقات والتفاعلات القديمة لن تستمر مثلما كانت، ونستطيع أن نتتبع تداعيات الخلاف السعودي القطري على مستوي عدة دوائر:
الدائرة الخليجية:
يبدو أن مجلس التعاون الخليجي يشهد انقسامات عمودية بين أعضائها فالسعودية ومعها الإمارات والبحرين هناك تماهي في مواقفهم، في حين أن قطر تتخذ مواقف تتعارض مع مصالح الدول الثلاث عبر تقاربها مع إيران ومحاولتها زعزعة الاستقرار الداخلي في هذة الدول، في حين تسعي كل من الكويت وعمان إلي عدم الدخول في حالة الاستقطاب بين الدول الثلاث من جهة وقطر من ناحية أخري، وعلى الأرجح أن الشراكة السعودية مع الإمارات والبحرين سوف تنهض على أنقاض مجلس التعاون الذي بات في مهب الريح وإنهاء كل المكاسب التي حققها المجلس مثل حرية انتقال مواطني دول المجلس وإلغاء تاشيرات الدخول وحرية انتقال رؤوس الأموال.
الدائرة العربية:
أحدثت الأزمة تبايناً في المواقف العربية، فقد انحازت دول موريتانيا واليمن وجيبوتي وحكومة بنغازي وجزر القمر للموقف السعودي، في حين أعلنت دول المغرب العربي اتخاذها موقف الحياد داعية الي الحوار بين الفرقاء، وهو موقف يشابه الموقف السوداني [3].
بالنسبة للمواقف الإقليمية:
تركيا:
انتقلت من دبلوماسية الحوار والتهدئة بين الطرفين في بداية الأزمة، إلي التصعيد بعد مصادقة مجلس النواب التركي 7 يونيو على اتفاقيتين تسمحان بنشر قوات عسكرية في قاعدة تركية في قطر تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها البلدان عام 2014، وهو ما أدي إلي خفض احتمالية نشوب صراع مسلح بين السعودية وقطر.
وأعلن الرئيس التركي، أردوغان، أن تركيا لن تتخلى عن قطر، وناشد الملك سلمان بجمع الأشقاء ونبذ الخلافات.
والملاحظ على الموقف التركي أنه أدار سياسته بدبلوماسية تصعيد متدرجة، جمعت بين الرسائل السياسية والعسكرية، مع تأكيد عدم تخلي أنقرة عن الدوحة، فجاءت رسالة التوازن التي دعمت الموقف القطري، مع إقناع الطرف الآخر بضرورة ووحدانية الحل الدبلوماسي وطاولة الحوار، وليس بالضغط للحصول على تنازلات، أو التهديد بالتدخل المباشر في قطر، أو التلويح بالانقلابات.
إيران:
لاشك أن الخلاف السعودي القطري يأتي في توقيت مثالي بالنسبة لإيران، فهو يأتي في خضم اصطفاف العالم العربي والإسلامي السُني ضد إيران بعد زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو الماضي. وقد أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني لأمير قطر أن المجال الجوي وخطوط النقل البحرية والبرية التابعة لإيران ستظل باستمرار مفتوحة أمام قطر، “البلد الشقيق والجار لنا”. ويقول حسين شيخ الإسلام، أحد مستشاري وزير الخارجية محمد جواد ظريف: “أفضل شيء لمصالحنا هو ألا تنشب حرب. نسعى للتصرف بعقلانية، لأن خصومنا في المنطقة صغار السن وغير ناضجين وغير عقلانيين في تعاملهم مع قطر”.
قد يكون مفيدا أن يبقى المرء متفرجا خارج الحلبة بينما ينهمك الأعداء في اقتتال داخلي فيما بينهم .
وتسعى إيران إلي استثمار هذه التطورات استراتيجياً بعد أن تآكلت وحدة الصف الخليجي، وترى إيران أن الخلافات الخليجية عميقة وأن الهيمنة السعودية على دول الخليج لن تدوم وهو ما سوف يصب في مصلحتها.
إسرائيل:
تعاظم الصراعات بين دول المنطقة يؤدي إلي ضعف الاصطفاف العربي خلف القضية الفلسطينية، وقد فقدت القضية مركزيتها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. وتسعي إسرائيل لإحداث خروقات في جدار العزلة مع الدول العربية ولا سيما السعودية عبر الانضمام للحلف المناؤي لإيران.
الدائرة الأوروبية:
صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في 9 يونيو، أنها تشعر بقلق بشأن الوضع في قطر، وأنه يتعين على دول الخليج وإيران وتركيا العمل معاً لإيجاد حل لهذا النزاع الإقليمي لأنه يستحيل تسوية هذا الوضع ما لم تشارك كل الأطراف الإقليمية. ومن الواجب أن ندرك أن الحل السياسي لصراعات مثل: الوضع في سوريا، وفي ليبيا، وفي العراق، لن يحدث إذا لم يتم ضم أطراف معينة في المحادثات، وهذا يشمل قطر، ويشمل تركيا وإيران.
وأضافت ميركل أنها تريد الحفاظ على توازن القوى بشكل معقول في المنطقة، وقالت إن مكافحة الإرهاب ستكون على جدول أعمال قمة مجموعة العشرين في يوليو في هامبورغ [4].
ويتشابه الموقف الفرنسي والبريطاني مع الموقف في ضرورة الحوار لحل الأزمة. وإجمالاً يعد الموقف الأوروبي تعبيراً عن توازن المصالح نظراً للنفوذ المالي الكبير بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخري.
الدائرة الروسية:
الرؤية الروسية لم تختلف كثيراً عن التصور الأوروبي، فقد دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى تسوية الأزمة على طاولة الحوار من أجل إزالة كل ما يبعث على القلق، وأكد لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيره القطري، أن قرار بعض الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة أثار قلق موسكو، فروسيا لا يمكن أن يسرها تدهور العلاقات بين شركائها [5].
الدائرة الأمريكية:
اتسم الموقف الأمريكي بتبدل الأدوار والمواقف، ربما من أجل حصد المزيد من المكاسب على خلفية الخلاف السعودي القطري، فنجد أن الرئيس ترامب يصف قطر بأن لديها تاريخ في تمويل الإرهاب وعلى مستويات عالية، داعياً إياها ودول المنطقة الأخرى لفعل المزيد لوقف دعم الإرهابيين ويدعم موقف الدول المقاطعة. في حين دعت الخارجية الأمريكية إلي اتباع الوسائل السلمية في حل الخلافات الخليجية، بينما البنتاجون انحاز بشكل واضح إلي صف قطر! وعندما تهكمت بعض الصحف الأمريكية مثل النيويورك تايمز على تضارب مواقف الإدارة حيال الأزمة، تم عقد اجتماع بين وزيري الخارجية والدفاع لتوحيد لغة الخطاب ثم انتقلا إلي البيت الأبيض لمقابلة الرئيس ترامب [6].
وقامت الإدارة الأمريكية بتوقيع اتفاقية مع قطر لمكافحة تمويل الإرهاب في 11 يوليو الجاري وهي اتفاقية صادمة للسعودية لكونها تعني عدم تخلي الولايات المتحدة عن تميم وتثبيت بقائه في حكم الإمارة القطرية!
السيناريوهات المحتملة:
هناك عدة سيناريوهات محتملة للخلاف السعودي – القطري:
السيناريو الأول:
هو تقديم قطر لبعض التنازلات للسعودية ومعها الإمارات ومصر والبحرين، مثل توقف قنوات الجزيرة عن مهاجمة أو التدخل في الشئون الداخلية للدول الأربع وعدم استضافة أو دعم معارضي هذة الدول، مع ترحيل بعض القيادات الإخوانية وإجراء بعض التغييرات في الحكومة القطرية وعدم الدخول في بناء شراكة استراتيجية مع إيران وإبقاء العلاقة معها عند الحدود التي تلبي فقط أطر التعاون في حقول الغاز التي تتشارك فيها مع إيران.
السيناريو الثاني:
استمرار الأزمة وتصعيد السعودية وحلفائها العقوبات تجاه قطر وطردها من مجلس التعاون الخليجي كخطوة أولي ثم فصلها من الجامعة العربية من أجل عزلها الكامل عن محيطها الخليجي والعربي، مما قد يدفع قطر للدخول في شراكة مع إيران والعراق وتركيا وتغيير موقفها من الحرب في سوريا ووقف دعمها للجماعات المقاتلة لنظام حكم الرئيس بشار الأسد.
السيناريو الثالث:
قيام السعودية بالتلويح بتجميد الاتفاقيات التي وُقعت أثناء زيارة ترامب للمملكة وممارسة ضغوط داخل أروقة صنع القرار في واشنطن من أجل تغيير الحكم في قطر.
ويبدو أن السيناريو الثاني هو الأقرب تحقيقه في المدي المنظور، على أن يتم الانتقال للسيناريو الأول بعد عام أو عامين نتيجة جهود الوساطة الدولية والاقليمية، لكن من المستبعد تماما نشوب صراع مسلح بين الجانبين، كما من الصعوبة بمكان أن يتم الإطاحة بأمير قطر، على خلفية الأزمة الراهنة لكونه يلقي دعماً غير معلن من إسرائيل وأمريكا ويلقى تأييد من إيران وتركيا والمحفظة المالية والاستثمارات القطرية في أوروبا تهيئ لأمير قطر تلقي الدعم من العواصم الأوروبية .. والأيام كفيلة بأن تجيب علينا .. إلي أى سيناريو تتجه إليه الأزمة؟
الهوامش:
(1) https://arabic.rt.com/middle_east/885051
(2) http://www.bbc.com/arabic/middleeast-4016058
(3) https://arabic.rt.com/middle_east/882123
(4) http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN19103W
(5) https://arabic.rt.com/middle_east/882916
(6) http://www.tahrirnews.com/posts/804067