في حقيقة الأمر يعتبر تمرير مجلس النواب و تصديق الرئيس علي تعديلات قانون السلطة القضائية حلقة جديدة من حلقات صراع طويل بين الدولة والسلطة القضائية في معركة إستقلال القضاء بدءا من عبد الناصر و صراعه مع السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة أنذاك ومذبحة القضاء عام 1969 و رجالها المستشار ممتاز نصار ويحي الرفاعي مرورا بحسني مبارك ومذبحة القضاه الثانية ورجالها المستشارين زكريا عبد العزيز و أحمد مكي وصولا للأزمة الحالية في عهد الرئيس السيسي و ما تضمن تلك العقود من معارك خاضها القضاة والشعب من أجل الحفاظ علي منصة القضاء مستقلة .
إلا أنه وبحق تختلف تلك المعركة عن سوابقها في عدة أمور هامة تضع رجال القضاء في موقف صعب للغاية بل وتجعلهم الطرف الأضعف و تتلخص تلك الأمور في أنه من ناحية أولي وفي سابقة من نوعها إتجه الشارع المصري و الرأي الشعبي الراجح إلي الوقوف علي الحياد في تلك الأزمة وترك القضاء يخوض معركته منفصلا وحيدا دون تأييد شعبي حقيقي عكس الحلقات السابقة في معارك إستقلال القضاء و ذلك نتيجة الإحتقان الشعبي بشكل كبير من بعض الأحكام القضائية خاصة الجنائية ذات الطابع السياسي و بعض القضاة بعينهم الذين أثاروا الجدل بل وممارسات القضاء في عملية إشرافه علي الإنتخابات خاصة مجلس النواب و كذلك ما يتمتع به الرئيس في بعض القطاعات الشعبية من تأييد و من ناحية أخري وفي خلال بضعة سنوات ماضية تم تفريغ القضاء من قيادة موحدة حقيقة تتحدث وتدافع بإسمه أمثال المستشارون السنهوري و الرفاعي ونصار و مكي و البسطويسي والزند وهو ما جعل القضاء يبدو بموقف التخبط والارتباك أمام السلطتين التشريعية بقيادة الدكتور علي عبد العال والتنفيذية برئاسة الرئيس السيسي ، ومن ناحية ثالثة نقل ميدان المعركة من قرارات تنفيذية مباشرة تصدرها السلطة التنفيذية ضد القضاء مثل المعارك السابقة وهو الأمر الذي يصعب إستغاثته قانونا إلي ميدان السلطة التشريعية صاحبة سلطة التشريع وإصدار القوانين وهو الأمر الذي يجعل الموقف القانوني للقضاه في غاية الصعوبة نتيجة صحة التصرف القانوني إتجاهم حتي ولو كان توغلا علي إستقلال القضاء بل حتي ولو كان المقصد الحقيقي هو إستهداف بعض القضاه بعينهم إلا أنه ينقل معركتهم مع مجلس النواب وليس الرئيس كما عهدنا في الحلقات السابقة لهذا الصراع ، وبناءا علي ما تقدم وسلف بيانه فإن أرجح الأقوال وما سننتهي إليه هو خسارة القضاه لهذه الحلقة مسبقا حتي قبل إصدار القانون فعليا نتيجة خوضهم تلك المعركة وحدهم وخسارة التأييد الشعبي وهو العامل الرئيسي في نجاحهم سابقا بالإضافة لتفريغ القضاء من قيادات حقيقية قادرة علي التصدي في مثل تلك المواقف وهذه الأزمات و كذلك ضعف الموقف القانوني للقضاه نتيجة تغيير ميدان المواجهة وصحة التصرف القانوني لمجلس النواب والرئيس شكلا حتي وإن إختلفنا في الموضوع بالتأكيد وهي العوامل التي ستؤدي إلي إسدال الستار عن تلك الأزمة في وقت قريب .