توضح الفيزياء وقوانينها أن المواد المختلفة تحت الضغط تنكسر وذلك وفقاً للقوة المستخدمة ومساحة السطح، ولكن هل ينكسر الإنسان تحت ضغوطات الحياة ونوازلها؟ وكيف يمكنه التعامل مع الأساليب والأنماط المختلفة للبشر؟ ولان إجابة السؤال الأول تختلف وفق الشخص والظروف المحيطة به وأسلوب نشأته ودرجة إيمانه فلن يكون هناك ردٌ أوحد إلا أنه هناك من تنكسر روحه مع ما يقابله من صدمات، وأكثر ما يؤلمه يأتي من الأقرب له.
إمتلأت كتب التنمية الذاتية بأساليب تُبين أفضل الطرق للتعامل بين الناس، إلا أن الرسول صلي الله عليه وسلم سبقهم ووجهنا في عدة أحاديث منها قوله: (حُرم على النار كل هين، لين، سهل، قريب من الناس) والمقصود من سهل إرضاءه وطاب كلامه في الموضع المستحق حتى لا تصبح تصرفاته يشوبها النفاق والتملق، ونجد أن أكثر من طبق هذا الحديث هو داهية العرب معاوية بن أبي سفيان الذي حكم أربعين عاماً بين الولاية والخلافة واستطاع أن يُخمد نيران الفتن كلما بدأت.
سَطر دستور الدبلوماسية في إجابته الشهيرة عندما سُئل كيف نجح في حكمه فقال: (لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها.) هي فلسفة سياسية قائمة على الحفاظ على الجميع كحلفاء وعدم خسارة أحد منهم، والحفاظ على التوازن في العلاقات في ظل اختلاف الطبائع والآراء وعبور الصعاب من المواقف وتحسين ما أمكن منها في الوقت المناسب.
وتطبيق شعرة معاوية لا يقتصر على السياسة فقط فهي تناسب كل أشكال العلاقات، فالزواج تلك المؤسسة الصغيرة والتي تتكون من أثنين مختلفين تمام الاختلاف في الطباع وردود الأفعال إذا طبق طرفيها هذا المبدأ واتصفا بالحلم حين الغضب وتجاوزا عن بعض الهفوات لسارت سفينة حياتهما في مسار سلسل واتسمت علاقتهما بالرقي والتفهم وتفدا الشقاق المؤدي إلي الطلاق.
وإذا ترك الأصدقاء التدقيق والتمحيص في كل الأفعال ووجهات النظر المختلفة وكسوا العلاقة ببعض من التغافل حيناً والتجاهل أحيان أخرى، لدامت العلاقات وبُعدت مشاحنات لاطائل لها في أثبات من له الرأى الصائب. وعلى صعيد العمل نجد تطبيقها يحقق نجاحاً لصاحبه، فهو يكسب الجميع ويبعد عن العدوات، ويقابل ما يلاقاه منهم بوجة بشوش ولكنه يعلم جيداً متى يقف ليدافع عن حق له بل ويجد من يقف له داعماً ومؤيداً.
و تظهر حقيقة الأنسان ومعدنه الأصلي عند الغضب، فهناك من يتحكم فيه غضبه مبرراً لنفسه قبل الآخريين أن هذا طبعه وأنه من ذوي الدم الحامي، نسياً متناسياً أن الرسول صلي الله عليه وسلم نهنا عن الغضب في نصيحته للأعرابي (لا تغضب) بل وأن للكاظمين الغيظ درجة ومرتبه خاصة يوم القيامة، وأن غضبه هذا حرق شعرة معاوية بينه وبين من أمامه، في حين أن الغضب قرار يمكن التحكم فيه مثله مثل الكثير من السلوكيات المكتسبة التي يمكن تعديلها ببعض من الحزم مع النفس.
شعرة معاوية هي كياسة التعامل بذكاء مغلف بلباقة ومصاحب بالهدوء تحافظ بها على علاقاتك الإنسانية على كل المستويات وتحقق بها أهدافك كما قال عنها نيوتن (الكياسة هي فن تحقيق هدف من دون صنع أعداء.) فأسعى لاكتساب مزيد من الحلفاء في طريق النجاح.
شعرة معاوية
فاطمة عمارة