“سعادة رمادية”
لكل منا صوت مكتوم في الفؤاد لا يسمع، وأنين يمزقنا ولا يصدح، وخيوط كثيرة في أوج انبعاثها لا تلمع،
هل خطى عقلك يوما سالكا دروب الفكر ليستقل هدفا لذاته؟
قد تبدأ السعادة حينها بحروف متوهجة ثم لا ثلبث أن يضعضعها حلم هارب تموج ركائزه في بحر السراب. يوجد على درب الأمنيات دائما أحلاما عنيدة، تأبى المسير، تتنهد في صمت وتوشك أن تكبو إلى الأبد، وأحيانا يتراقص الصمود فيها كماء النهر حين يلقى الحجر على صفحته الساكنة،
أتراها كذلك حقا ؟ أم أن ذراتها تعج بنبضات متعبة؟!
لماذا نبكي دائما على اللبن المسكوب؟ سؤال يتردد دائما على العقول الحائرة ليجترأ بعضا من وحيها وعصارة فلسفتها في الحياة، هل كان هذا دافعا قويا لينغمس البعض في شهواته ويلتحف بعباءة اللذة السوداء؟ أطاحت بنا الكلمات هاهنا حتى رأيناها تتفجر من بين ركام الورق. قد يتراءى لك نمط الفتور الذي ترتكن عليه الأمة وحالها في شتاتها كما النابض على ثغر أجوف! لم تدرك بعد أن الأمر بات يصب في نفوسنا الهوان والركود، هل سنمتلك زمام الأمر كرة أخرى أم سنرفع دائما راية الفوضى؟ صدقا لا أريد أن أحس إحساس الغريق في كأس النجاة!
سحقا لهمهمات المخبأ السري التي دفعت شظايا النفس لأن تقع بين براثن الرذيلة والفاحشة، لا أعلم إذا ما كان يحق للضمير أن يتنغم على أوتار القلب تلك الآونة، وهل سيتذكر مصير الروح ونحن أضعف من أن ننتهج منهاجا يخنع للعبث؟ فالأصل أن نبحث عن سجيتنا التي فرت منا بحثا عن ملاذ آخر يستنهض ذواتنا من سباتها لتتحرر، وجل الحرية أن نعيش الحياة على مراد الله. إن فارقنا المبتغى فسيكون الوصول لسبيل الحق هو نقص في النفس التي لا تعرف من أين تشرق الشمس!
أتذكر لسان العرب حين قال:”كل ما سكن، فقد مات”، ومنه تراودني بين الحين والآخر همسة شعورية طاغية ومفارقة بين الحياة والموت، يلثم الموت فيها حركات الجسد فتأبى في حضرته أن تدافع الإنسانية عن جبلتها، وما يلبث الفكر أن يمجد الخنوع في نفسه، ومن هنا فإذا كان السكون أصل الموت، فالحركة هي أصل الحياة. إذا شعرت يوما أن روحك مكبلة في جسد ميت؛ فانفض حينها ذلك الغبار الذي غطى ملامحك، وانتزع شوكة الماضي التي تقاتل حاضرك، ارسم لنفسك لوحة صماء واملأها بأزاهير المستقبل. أما علمت أن الله يقول في كتابه الكريم:”إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ “؟!
حقيقة علمية تقول أن المادة الرمادية تشكل جزءا كبيرا من الجهاز العصبي المركزي الذي تقع فيه معظم الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تسمح لنا بالتفكير والرؤية والسمع والشعور والتحرك، وتنشط تلك المادة عند الشعور بالسعادة والعواطف الإيجابية. والسعادة الرمادية من منظوري هاهنا هي التي تقذفها سهام الحزن واليأس، ويخبو فيها صوت العمل، وتقتل الإنسان بخنجر الكسل والفتور لتتقطر حياته بؤسا وشقاء، فإذا كنت ترغب أن لا تدفن رأسك تحت ثرى العجز والتسويف فتزود بالقوة الثلاثية كما يصفها الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله”إلتزام..إصرار..إستمرار”.
إن السعادة الرمادية التي أوحلت سيقان الحرية آن لها تلك الفينة أن تنشق عن زيفها لينبلج منها معان أخرى على صفحة الحياة، وينسدل عليها ثوبها الجديد الذي يشب فينا لون العزيمة و التحدي والإرتقاء، فكما قال الرافعي:”إن لم تزد على الحياة شيئا، فأنت زائد عليها”، دعنا سويا نبحث عن الكنز المفقود الذي يوشك أن تومض إشاراته الأولى مآقينا لنتحرك ونسعى….نحو الهدف.
#لمحات_نور