قبل أن اتي الى هنا كنت أنسان بلا هدف وبلا قيمة دائم الترحال أبحث عن اللهو والعبث الصبياني تائه في ملذات الحياة وكل ماكان يشغل تفكيري هو الى اي بلد سأذهب في هذه الرحلة هل اذهب الى باريس أم الى ايطاليا وكم سأرافق من الفتيات الجميلات، كم اعشق بلاد الغرب فهي من تشبع حماقاتي، لقد مللت من بلادي فهي تمتلئ بتلك التقاليد والعادات والمفهوم الرجعي لا تتقدم ابدا ولم تعطي لنا فرصه كي نعيش فيها سعداء لذلك قررت أن أرحل عنها لأعيش وأتمتع في عالم اخر ،لكن ماحدث لي في رحلتي الأخيرة هو ماجعلني اتغير بل بشكل أدق هو انني قد ولدت من جديد ،عندما تعرفت على مازن ذاك الشاب الفلسطيني
الذي يعزف الكمان في أحد شوارع باريس عندما كنت أمر من أمامه يجذبني صوت كمانه الحزين وتلك الأهات الصامته التي تتراقص فوق الأوتار تأسرني فتشعل بداخلي الحنين الى شيئ مفقود لا أعلم ماهو ،ومرت ألأيام وتعرفت عليه وصرنا أصدقاء عندما أخبرته عن قلة حبي لبلادي ورغبتي الدائما للهرب منها ،أخبرني هو عن عشقه لبلاده التي خرج منها دون أرادته وكم يتمني ان يقبل ترابها مرة أخرى كم يفتقد أشجار الزيتون ويحن ألى شواطئ يافا وصمود غزة ودفء الخليل ،وحلمه أن يعود لها يوما ليروي أرضها بدمائه ، جعلني حديثه عن وطنه أشعر ولأول مرة بالغربة وأتسأل بداخلي أين أنت ياوطني، فحاولت أن أغير مجرى الحوار فسألته هل أحببت من قبل؟ وعندها أبتسم بفخر وقال:نعم أحببت ومازلت أحب ، فسألته مجددا أين هي ولما لم تتزوجها؟ فأجابني بتلك الأبتسامة لقد أحببتها وأحبتني لكن حب الله و الوطن في قلوبنا أعظم لقد ضحت بحياتها من أجل فلسطين أستشهدت برصاص الأوغاد، لقد كان جوابه كالصاعقة فوق رأسي لقد قتلت حبيبته وهو يتحدث بفخر ويبتسم، وأنا كدت أموت حزنا في الماضي لأن حبيبتي تخلت عني لتتزوج بأخر ،ودون أن أشعر خرج سؤالي بصوت مرتفع من أين تأتي بهذا الصمود؟ فنظر الي قليلا ثم قال:من الأرض، لم أفهم معنى الجمله ،فقال لي أن زرت فلسطين يوما فستفهم ، مرت الأيام وأصبح مازن كأخ بالنسبة لي وكلما أقتربت منه فقدت أهتمامي بما كنت أفعل في الماضي وأصبحت أبحث عن ذاتي وعن سبب لوجودي بل ندمت على كل مافات من عمري وانا تائه،ايضا بدأت أشعر بالشوق والحنين الى بلادي لقد زرع مازن بداخلي بذور الحب الحقيقي حب الوطن الذي قد نضحي بأرواحنا من أجله ،وذات يوم ذهبت لألتقي بمازن فوجدته يكاد يحلق فى السماء من السعادة ويحزم أمتعته فنظر الي وعندما وجد علامات الحيرة ترتسم على وجهي ،فقال: لي وأخيرا ياصديقي سأعود الى وطني سأعود ألى فلسطين، فأبتسمت وأجابته مبارك ياعزيزي فهذا حقك أنت وأبناء وطنك. فقال بحزن: هذا غير صحيح ياصديقي “فحق العودة” ليس لنا وحدنا بل هو حق لكل العرب فلسطين ليست أرضنا فقط بل أرض كل عربي وهي مازلت تنتظر عودة الجميع لها ،لم تعد أسلحه الأوغاد هي الرصاص والقنابل والدبابات فقط لقد بدأو يهاجمون عقولنا ويستهدفون شبابنا وأطفالنا لو لم نتبه لم يحدث حولنا ستصبح كل بلاد العرب فلسطين واذا لم نصلح من أنفسنا ونتوقف عن السعي ورأ ملذات الحياة الخادعة لن يخرج منا من يقف في وجهه الطغيان يوما، هيا ياصديقي ليعود كل منا الى وطنه فلا شيئ غير الله والأوطان يستحق العودة