وسط كل هذا التوحش والشر، رغم كل هذه البشاعة والعدوانية، كلما رأيت تلك الفوضى هربت لجروب يحتوي على قدر مهم من الرحمة والإنسانية المفتقدة، جروب خاص بالاهتمام بالحيوانات .. نعم حيوانات، لكنها أكثر اخلاصا وأعلى اخلاقا ممن يطلق عليهم بشر.
لازال عدد من الأصدقاء والصديقات يحتفظون بآدميتهم، صديقة لي حين طلبتها ذات مرة مستغيثة بها اني ليس لدي حيلة حين حدثتني يوم ما شقيقتي ليلا ان هناك (كلب) مسكين صغير في النادي ممتنع عن الأكل والشرب لخوفه من ذلك العالم المحيط به، وأن هناك أطفال صغار يبكون رافضون العودة لمنزلهم إلا إذا شعر الكلب بالأمان.
بسرعة وبدون تفكير، ذهبت صديقتي لتأخذه، ولا أنسى صورته حين احتضنته فنام مطمئناً أنه قد وجد أخيراً ذلك الأمان المفقود.
وأخرى من صديقاتي تقدم بكل حب العون والمساعدة لكل قطة أو كلب في الشارع إذا طلبتها في اي وقت أن تغيث مسكين من هؤلاء صدمته سيارة ولم يهتم سائقها لذلك الكائن لأنه من وجهة نظره (حيوان)، تتصل فورا بأحد الأطباء وبإحدى من تقطن بالقرب من مكان الحادث لتستضيفه وتقوم بإسعافه في منزلها حتى يتماثل الشفاء!!!
وإحدى طالبات الجامعة في كلية الهندسة وجدت قط من قطط البيوت متربي على العز، ولا داعي ان تسخر من ذلك التعبير فالقطط أنواع، منها من تعود على حياة البيوت اي أنه يعتبر فرد من أفراد الأسرة لكن بعضهم يقتني قطة أو كلب ليجرب أو ليسلي ابنه فإذا مل فتح له باب الشقة أو يأخذه في سيارته ويرميه بعيد عن البيت حتي لا يعود! منتهى القسوة والغدر للأسف .. نعود لمكالمة الطالبة، عندما وجدت القط خائف بلا طعام ولا شراب فكانت تشتري له الطعام ولكنه ليس في أمان فلجأت لصديقتي التي بسرعة جدا تواصلت مع إحدى المنقذات التي بدورها فعلا اتفقت مع البنوتة الجميلة حتى انقذته من براثن البشر.
وآخر وهب منزلا لانقاذ الحيوانات من شر هؤلاء الذين يتفننوا في قتل أرواح بدون أي شعور بالذنب فمرة يضعوا لهم السم في الطعام – ياااااه ما كل هذا الشر والغدر؟! – ومرة يلقوهم بالماء المغلي – ما اصعب قلوبهم! كيف يستطيعون؟! -، ومرة أخرى بالرصاص .. إنه ابداع في الجريمة!
أبشع الأوجاع في القصة التي حدثت بالفعل منذ عام تقريبا، لا أنسى ذلك الكلب الشجاع القوي المخلص الذي تصدي بمنتهي الأمانة لبلطجية تعرضوا لصاحبه، وكادوا ان يفتكوا به، فوقف لهم بالمرصاد مدافعا بكل قوة حتى أنهم انصرفوا بعد درس وعقاب قوي، أما صاحبه الذي فداه فقدم له أسوأ مكافأة على ما قدمه له من خدمة بل ما قدم له من عمر جديد، قدمه صديقه الندل لهؤلاء البلطجية ليفتكوا به ويقتلوه لينتقموا منه (والهاء هنا ضمير معبر عن الكلب) يا الله، ما كل هذه القسوة وهذا الغدر؟! ما كل انعدام الرحمة والعدوانية؟!
عندي يقين أن من يستطيع الغدر بحيوان، قادر على أن يقوم بأي شر ضد إنسان.
أتأمل كثيرا فيما يحدث حولنا، فأتاكد كل يوم ان النزعة العدوانية وبشاعة الأخلاق، سبب رئيسي فيما نتعرض له، لأننا لم نحافظ على خير انسانيتنا .. وأن الله مازال يرحمنا ويجنبنا الكثير من المخاطر، رحمة بمن يرحم الأرواح الضعيفة، وهؤلاء ما زالوا موجودين رغم ندرتهم، إنما نعمة من نعم الله وأحد اهم اسباب نجاة هذا المجتمع القاسي واللا مبالي.
ادعو الله أن يزيد منهم ويعافينا من شر النفوس العدوانيه .. ومع الدعوات، عودوا نفسكم وعلموا أولادكم ان من لايَرحم لا يُرحم .. بالفعل لا بالكلام وحسب.