ها انا انتظر هنا منذ نصف ساعة ولم يأتي احمد بعد، ياله من كسول… منذ ان تخرجنا من الجامعة وعملنا معاً في إحدي شركات الادوية ونحن نصل إلى العمل متأخرين بسببه ولكني أحبه جداً فهو صديقي الوحيد واعتبره اكثر من اخ …. بالنسبة لي، اه اعتذر لقد نسيت أن أعرفكم بنفسي.. أنا محمد طبيب صيدلي أبلغ من العمر سبعة وعشرون عاماً .
ها قد أتي ذلك الكسول وها هو يقدم اعتذاره المعتاد ويطلب مني أن نستقل القطار هذه المرة ولكني أرفض دوماً لأني لست ممن يحبون القطارات…في النهاية يرضخ للأمر ونستقل سيارة الاجرة كما اعتدنا.
أحمد يمتلك طبع فضولي يحب الإطلاع على كل شئ… يهتم كثيراً بأحوال البلاد ومايحدث فيها… شغفه الأكبر هو عالم الجريمة فمنذ أسبوعين أخبرني عن إختفاء شخص مافي ظروف غامضه وبعدها بأيام أخبرني بحدوث جريمة قتل بشعة لشاب في أحدي المحافظات وهاهو الأن يخبرني بإستمرار تلك الجرائم والذي وصل عدد ضحياها إلى تسع وعشرون قتيل في عشرة أيام من مناطق مختلفة ومازالت الشرطة تبحث عن القاتل دون جدوى ولكن الغريب في الأمر أن جميع الضحايا لا يربط بينهم سوى وجود تذكرة القطار معهم.
يا الله كم أشعر بالملل من الحديث عن تلك الأشياء فأنا لا ابالي بها والحمدلله لقد وصلنا اخيراً إلى الشركة قبل أن يعقد المدير إجتماعه بالعاملين… لقد نجونا من غضبه اليوم فهو لا يقدر سفر ثلاث ساعات من بلدتنا إلى هنا، وبعد مرور ساعتين بداخل الإجتماع إنتهي بتحملي أنا وأحمد المزيد من الأعمال الإضافية والتي يجب إنهائها اليوم .
مر علينا اليوم دون أن نشعر به من كثرة العمل وأخيراً إنتهينا، بعد أن تجاوزت دقات الساعة الثانية عشر صباحاً.
التقيت بأحمد أمام الشركة وتوجهنا إلى حيث تقف سيارات الاجرة وانتظرنا أكثر من ساعة وللأسف لم نجد سيارة واحدة حتي تتجه إلى بلدتنا في هذا الوقت المتأخر وقد أخذ الإرهاق منا ما أخذ وفجأة زفر أحمد بضيق قائلأ:
_ لن نقضي الليل هنا… أرجوك لا تعترض هذه المرة وهيا بنا إلى محطة القطار . حاولت أن أعترض فانا لا ارتاح إلى ركوب القطار ولكنه نظر إلي برجاء وقد كان على صواب فلن يفيدنا الإنتظار هنا أكثر .
بعد الكثير من الجدال رضخت هذه المره وتوجهت برفقته إلى محطة القطار… عندما وصلنا إليها شعرت بالتوتر يسيطر على جسدي، و تقدمت بخطوات ثقيله إلى أن توقفنا امام نافذه بيع التذاكر فأخرجت بعض النقود واعطيتها لأحمد وطلبت منه شراء تذكرتين ولكنه رفض وقال:
_هذا ليس مهما فلن نحتاج لهم في هذا الوقت .
أصررت عليه فتوجه نحو النافذه وقام بشراء تذكرة واحده واعطاها لي واخبرني أن القطار سيأتي بعد عشر دقائق.
مر الوقت سريعًا وجاء القطار… صعدنا إليه وجلسنا في عربة كانت خالية تماماً حاولت أن أشغل عقلي بأي شئ كي أنسى قلقي .
بدأ القطار في التحرك وسقط أحمد في النوم أما أنا فلم أستطع أن أغمض عيني وفجأة غرقت العربة في ظلام دامس ثم توقفت وأصبح الجو هادئ بشكل مخيف ولكن أكثر ماجعلني أشعر بالقلق هو توقف العربة فهي لم تسحب او تهتز كما يحدث عند توقف القطار .
مرت لحظات وأنا أتصبب عرقاً وأحمد نائم بجواري لا يشعر بشئ… تجمدت أطرافي عندما شعرت بشئ يتحرك خلفي و تسارعت نبضات قلبي وانا احرك لساني بصعوبة لأقرأ المعوذتين واية الكرسي.
حاولت أن أستجمع شجاعتي التي فرت هاربه مني ورفعت صوتي قليلاً لكي أستطيع إيقاظ أحمد وبعد أن أستيقظ، تعجب من الظلام الشديد ولكنه قال: _ربما حدث عطل بالقطار وهذا ماتسبب بإنقطاع الأضواء وتوقف العربة.
أخبرته بأني لا أشعر بالراحه لم يحدث وبأن هنالك شئ غريب هنا .
صمت قليلاً ثم أنفجر في نوبة ضحك وهو يسخر مني ويقول من وسط ضحكاته:
_ ألهذا الحد وصل بك خوفك من القطارات؟ تتخيل تلك الاشياء بسبب خوفك وليس أكثر.
أردت أن أصرخ بوجهه وأخبره بأني لست أتخيل ولكن قبل أن أنطق، عادت الأضواء مرة أخرى ليقول أحمد:
_ ألم أخبرك بأن….
وقبل أن يكمل جملته دوت صرخة مفزعة في المكان لتحطم معها نوافذ العربة ويسقط كل منا على الأرض، وقبل أن نعلم ماحدث عاد الظلام مجدداً وتوقف كل شئ.
لم أستطع النهوض من الخوف وسمعت صوت أحمد وأنفاسه المتلاحقة وهو يسأل عما حدث… أجبته بصوت مرتجف:
_ لا أعلم… لقد أخبرتك ولكنك لم تصدقني سوف نموت هنا… أنا أشعر بهذا.
وأخذت أردد تلك الجملة من شدة خوفي… حاول أحمد أن يتماسك وقال لي:
_ لا تقلق ياصديقي سوف نخرج من هذا القطار ولن يصيبنا شئ.. هيا أنهض.
أجبته قائلاً:
أنا لا أرى شئ فالظلام دامس .
مرت لحظات صمت بيننا ثم قال أحمد:
_ الهاتف.
هم بأخراج هاتفه وقام بتشغيل فلاش الكاميرا الخاصه به ليضيئ جزء بسيط من المسافة التي بيننا .
نهض وتقدم نحوي وساعدني على النهوض وبعد أن تقدمنا بضع خطوات بأتجاه باب العربة سمعنا صوت مخيف يأتي من الخلف ويقول التذاكر .
تجمدت الدماء في عروقنا ونحن ننظر إلى بعضنا بفزع ونقلنا أبصارنا مع ضوء الهاتف إلى إتجاه الصوت ولكن لم نجد شئ وقبل أن نستدير تكرر الصوت من الجهة الاخرى مردداً التذاكر .
دوت تلك الصرخة المفزعة مجدداً وكأنها عاصفة قذفت بنا بقوة إلى نهاية العربة، لنسقط بعنف .
صرخ كل منا متألماً لتضئ العربة بضوء خافت.. عاد ذلك الصوت المتسائل عن التذاكر ولكنه هذه المرة كان الصوت يشبه الصراخ يتردد في المكان بقوة. أقتربت قليلاً من أحمد ونهضنا مرة أخرى بصعوبة… سمعنا صوت باب العربة يفتح وعندما نظرنا نحوه؛ أتسعت اعيننا برعب وتجمدت أطرافنا من هول المنظر… إنه يتقدم نحونا وهو يردد طلبه بغضب لقد تعرفت عليه إنه محصل التذاكر ولكنه ينزف والدماء تغرق وجهه وملابسه… لم نستطع الحراك وهو يصرخ بغضب وصوته يكاد يمزق رأسي.
ظل يتقدم نحونا ببطء ثم نظر إلى احمد بغضب وفي أقل من ثانية كان يقبض على عنق أحمد بقوة وقام برفعه عن الأرض بينما حاول أحمد الإفلات منه… كان يضرب الهواء بقدمه ويطلب مساعدتي…. حاولت أن اجذبه من بين يدي ذلك المحصل ولكن المحصل صرخ في وجهي مجدداً ليقذفني بعنف إلى الجهة الاخرى وهو يقول بصوته المرعب :
_لقد ظن هؤلاء الحمقي
الذين يستقلون القطار بدون تذاكر بأنهم يستطيعون إيقافي عن القيام بعملي الذي أحبه لذا قاموا بقتلي… لن اتركهم ابداً بل سأجعلهم يدفعون الثمن.
أنهي حديثه وبدأ يمزق في جسد أحمد الذي ظل ينتفض بين يديه ويصرخ متألماً…. حاولت كثيراً ان أنقذه من بين يديه، ولكني في كل مره أتلقى ضربة تقذفني بعيداً.
سالت دموعي من شدة الرعب والألم… سيموت صديق عمري على يد شبح…. لقد نزف رأسي من كثرة الضربات ولم أعد أحتمل.
لقد توقف صراخ أحمد… تركه المحصل اخيراً ليسقط جسده على الأرض.
عادت الأضواء وأختفى محصل التذاكر…. حاولت الإقتراب من أحمد لأطمئن عليه… جسده ينتفض بعنف والدماء تغرقه ولكني أشعر بدوار شديد.
سقط جسدي بجوار صديقي ولم أعد أشعر بشئ لأستيقظ بعد ذلك داخل غرفه باردة وأنا مرتدي لملابس بيضاء… لا أعلم أين أنا، فقط أسمع حديث بعض الأشخاص الذين يحضرون الطعام لي وهم يقولون:
& لقد فقد عقله وقتل صديقه الوحيد من اجل تذكرة قطار.
ترا من يقصدون ؟ على كل حال لا يهمني سوف أذهب الأن لألتقي بأحمد صديقي الوحيد فأمامنا عمل سنتأخر عليه مجدداً.
(تمت)
بقلم / هبه سراج