عدل ..أم مساواة!
تقابل الندين في وجوم، حشود غفيرة تجمهرت، على الجانبين تراصت، يكاد أحد الجمعين يفتك بالآخر.
قضية واحدة، اختلفت المطالب.
لكن اللافت؛ ستجد كلا الخصمين يلوح نحو وجه الآخر بدرعه الحامي( نريد العدل، نريد المساواة).
شنشنة مندوحة استوطنت الأسلوب في الدفاع عن الرأي، الحقوق وغيرها من القضايا.
شنشنة غربية استحدثت في المجتمعات العربية، نحن استوردنا أم أنها عمدا إلينا أوردت بطنطنة إيقاعها الغربي، فتهنا عن ميزان الإسلام العادل. بعد أن غلفت ببريق زخرفي لماع، في جوهر أمرها خبث ظلالي بعث. بدعوى الانفتاح على العالم الخارجي ومواكبة صيرورة الحضارات الغربية المتقدمة.
أنسيت أيها المسلم !؛ أن أشهر وأبرز من ساهم في بناء الحضارات القديمة كانوا مسلمين وعرب!
لكن مسلم الأمس المفكر، الذي يحكم دينه في قضاياه لم يظل من سمات فكره اليوم إلا خياله الذي ينشط حيث يحركونه بخيوط خفية فيردد لسانه كلمات ذات حدين عليه مثلما له، إلا من رحم.
مسلم اليوم، بفكر مسير وخياره مطلب واحد ووحيد: المساواة!.
مصطلح رنان يبرز في كل المشاهد سواء على برامج إذاعية، تلفزيونية، حوارية أو ثقافية، نريد العدل، نريد المساواة!
نريد العدل، نريد المساواة!
نريد العدل، نريد المساواة!
أكاد أجزم أن لسانك وأنت تقرأ تعود على الكلمتين ورددهما حتى بعد انتهائك طوعا، دون تردد.
تمنيتك أن تخالفني؛ وتكتفي، مطالبتك العدل فقط، وما كنت ناقشتك إن فاجأتني وجعلتها المساواة العادلة.
استنكر!، حسن هل ستعترف أنك تعتبر العدل والمساواة توأم متماثل، لا فرق بينهما، حتى قد يعتبرهما البعض الأخوة بلا دم ولا رضاع!
فإلى أي حد يمكن أن يتآخى المعنيين، وإلى أيه يمكن أن يفترقا؟
للإجابة على هذا السؤال وجب أن نستحضر سويا دلالات المصطلحين؛ العدل كخلق كريم يعبر عن الإنصاف، كصفة من صفات الله تعالى، يعتبره فقهاء الدين، أحد مقومات الدستور الإلهي الذي يحكم أسسه وأحكامه بينه وعباده من جهة وفيما بينهم من جهة أخرى. وقد أمر به ورغب فيه بشكل مطلق، نجدها ونحن نطالع كتابه عز وجل عديد المرات نظرا لأهمية العدل في تدبير وتسيير حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أكمل وجه، لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون).
بيد أن المساواة اعتبرت الغاية القيمة التي يسعى إليها الحاكم العادل، الوالد والزوج، هي أحد أول الأسس التي تطالعها في أولى فصول الدساتير الوضعية البشرية، ستجدها تبرز في معظم توصيات الأمم المتحدة وقراراتها، وبين الاتفاقيات الدولية، مصطلح الإغراء “المساواة”، أما فالقرآن وسنة الرسول الكريم فقد وردت منفية في بعض المواضع لكنها واجبة عند توفر موجباتها وأماكنها أن كان الحكم في العطاء على أفراد متساوية الحاجة، كما في قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُون).
ولا العدل والمساواة يستوون؛ فقد جاء على لسان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:”لم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل”. لكن لغاية في نفس يعقوب، أصبحوا يحورون معنى وبعض صور المساواة في الشرع التي ما فتئ دعاة المساواة يتفننون في استغلالها: إما للتشكيك في الشرع بدعوى التناقض لوجودها هنا وانتفائها هناك، أو للاستدلال بها على المساواة المطلقة؛ وكِلا الأمرين عبث باطل. في حين أن الحكمة تقتضي التسوية في بعض المواضع وقد تقتضي التفرقة في مكان آخر، وهذا هو العدل بمفهومه الصحيح في الإسلام.
فالإسلام دين عدل وليس دين مساواة، بيد أن فكرة المساواة المطلقة الدسيسة سيرت المطالب وأثرت على كثير من الأفكار الدخيلة التي تخالف الشرع فحين تنادي بالمساواة بين الذكر والأنثى ترفع عنها حاجز المنع في عدة مواضع حرمها الشرع، والإمامة والولاية والإرث.
و إن ظنت النساء أن المساواة عدل فقد سوي بينهن و بين الرجل في معظم الأحكام الشرعية التي لا علاقة بها بالفروق الجسدية بينها وبين الرجل كالزكاة والحج و الأركان الخمسة ككل. ونزلت العقوبات بحق كلا الجنسين متساوية بالمطلق، التفرقة كانت تبعا للفروق الجسدية التي يعلمها الخالق قبل الكل كالإفطار والامتناع عن الصلاة وقت الحيض، لما يقع عليها من مشقة و الجهاد الذي فرض على الرجل وعده الرسول كذروة سنام الإسلام.
و التفرقة بالمواريث قيلت كثيرا و شرحت كثيرا و تلخيصها أن المرأة ملزمة من وليها بالنفقة و الإنفاق بينما مالها حق لها تتصرف به كما تشاء لا تلزم بصرف قرش واحد خارج رغبتها!
لكن!؟، هذا لم يمنع كثرة الوقفات المتزايدة بشكل كبير مؤخرا في عديد من البلدان العربية الإسلامية تناشد المساواة في الإرث بين المرأة والرجل.
والحق لو كانوا يريدون العدل، لكان الاكتفاء بما جاء شرعا واجبا.
والشرع نص أيضا على أن المسلم والكافر لا يستويان، لكن المساواة المطلقة جعلت المواطنة أساس الحقوق والواجبات داخل الوطن الواحد وليس الدين ولا الجنسية، وتحت راية الوطنية يجوز لغير المسلم أن يولى على بلد في دستوره الرسمي كتب دينه الإسلام، فكيف يولى اليهودي أو النصراني أو غيرها من الديانات على المسلم وقد حرم الشرع ذلك. الساذج يجعل العدل مساواة!.
فكفاك أيها العربي سذاجة ، كفاك مسيرا، كفاك تبعية، تمعن في مطلبك، وازن خياراتك، أيرضيك ما بتنا نراه اليوم: دعوات للمثلية الجنسية ترفعها المرأة كما يرفعها الرجل.
هل هذا المراد من المساواة، من التحرر، ومن التقدم في المجتمعات العربية.
فالتقليد الأعمى يلغي هويتنا كأمة عربية إسلامية .التقليد في استيراد الأفكار والمبادئ سبب رئيسي في تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبعد أن كان من الجلي أن يحكمنا العدل كخلق فنتق الله في أنفسنا وبعضنا بتنا صورة باهتة لا نستطيع أن نكون مثلهم ولا أن نكون نحن كما يفترض أن نكون.
ومن الجلي أيضا نتأمل المنظر مجدداً.
ركز جيدا؛ سترى أن القضية ليست بين أنت وأنا، بل بين العدل والمساواة.
بينما يقف العدل ثابتا شامخا، كعين تنظر للناس برحمة وحب، دالها دعم الضعيف بين الأبناء، الخصوم أمام القضاء، والحاكم على البلاد، فلا تسري لام اللائمة على السن الأعداء.
في مقابله تتمايل المساواة كلعوب مغناج، تغوي بحروف اسمها فتتوه العقول مع كثرتها دون أن يفقه أن تكون معانيها كحد سكين توجهه لنفسك قبل الأعداء.
فما قولك الآن أيهما تطلبه لتنال ما تريده؟