لم يكن عالم الفيزياء ستيفن هوكينج، الذي رحل عن عالمنا الاربعاء 14 مارس 2018، مجرد عالم فيزياء وحسب، بل كان معجزة بحق، فمضره الذي أصابه في بداية العشرينات من عمره وأفقده القدرة الكاملة على الحركة والكلام، وذكاءه الخارق، ومواقفه السياسية، جعلت منه محط أنظار العالم طوال حياته المليئة بالصعاب والإنجازات والمواقف وأحيانا الجدل.
رحل هوكينج، عن عمر يناهز السادسة والسبعين، وكان يعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري (العصبون الحركي) طوال خمس وخمسين عام من عمره، إلا أنه أصبح واحدا من أكثر علماء عصره شهرة، وحظي باحترام واسع على المستوى المهني والإنساني.
ولد ستيفن إدوارد هوكينج، في أكسفورد ببريطانيا، في الثامن من يناير1942. وكان والده قد انتقل مع زوجته للإقامة فيها من لندن هربا من الغارات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية.
نشأ هوكينج في لندن ومنطقة سانت ألبانز، وبعد أن حصل على درجة أكاديمية في الفيزياء من أكسفورد، انتقل إلى كامبردج لإكمال دراسته في علم الكونيات (الكوزمولوجيا).
حين كان في سن المراهقة، أحب ركوب الخيل والتجديف. لكنه شخص بالإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري أثناء دراسته في جامعة كامبريج. وهكذا أصبح مشلولا بشكل شبه كلي.
في عام 1963 قال الأطباء إن هوكينج البالغ من العمر 22 عاما، مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري. واعتقد الأطباء آنذاك أنه سيعيش ما بين عامين و3 سنوات. لكن تنبؤاتهم لم تتحقق. فواصل هوكينج عمله العلمي وتزوج مرتين.
أنجب هوكينج ثلاثة أبناء، وفي عام 1988 أنجز كتابه الذي يحمل عنوان “تاريخ موجز للزمن”، الذي بيعت منه أكثر من 10 ملايين نسخة.
وقال هوكينغ إنه بالرغم من مرضه إلا أنه استطاع أن يكوّن عائلة جذابة ويحقق النجاح في مهنته.
شهرته
اكتشف هوكينج الظاهرة التي أصبحت تعرف باسمه “إشعاع هوكينج”، حيث تصدر الثقوب السوداء أشعة ثم تتلاشى.
كما عرف بقدرته الفريدة على تصور الحلول العلمية بدون حسابات أو تجارب.
لكن ربما كانت “نظرية كل شيء”، التي ترجح أن الكون يتطور وفقا لقوانين محددة، هي أكثر ما جذب الانتباه إليه.
وقال هوكينج إن “هذه القوانين يمكن أن تقدم أجوبة للأسئلة المتعلقة بنشوء الكون وإلى أين يتجه وإن كان له نهاية. وكيف سينتهي؟ وإذا وجدنا الإجابات لهذه الأسئلة سيصبح لدينا تصور عن عقل الإله”.
مرضه
دأب هوكينج على الاعتقاد بأن مرضه جلب له بعض المزايا. كان يقول قبل أن يصاب بالمرض إنه يحس بالملل.
حين تطور المرض أصبحت حياته تعتمد على الآخرين. كثيرا ما أطرى زوجته التي اعتنت به لمدة تزيد على عشرين عاما. وقد أصيب أصدقاؤه ومعارفه بصدمة حين تركها ليتزوج إحدى ممرضاته في عام 1995.
كان هوكينج يرى أن البشرية بلا مستقبل إذا لم تتجه للفضاء، وكان يخشى من فنائها نتيجة حرب نووية أو فيروس مستحدث.
في عام 2014، أنتج فيلم “نظرية كل شيء”، المبني على قصة حياة هوكينج. والتقى هوكينج بالممثل إيدي ريدماين الذي قام بدوره في الفيلم.
وصرح هوكينغ بأنه من المعقول التفكير أن هناك حياة ذكية في كواكب أخرى، وحذر من أن سكان الكواكب الأخرى قد يغزون الأرض من أجل الاستيلاء على مواردها.
مواقفه السياسية
في عام 1968، لم يمنع هوكينج مرضه واعتماده على عكازينه في التحرك، من المشاركة في مظاهرات الاحتجاج ضد حرب فيتنام، إذ شارك في مظاهرة للتعبير عن رفض تلك الحرب.
ولم تغب القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أرضه عن بال الفيزيائي الراحل، إذ وقف داعما للمقاطعة الأكاديمية للاحتلال الصهيوني، بانسحابه من مؤتمر علمي يحضره رئيس الكيان شيمون بيريز في القدس عام 2013، اعتراضا على معاملة الصهاينة للفلسطينيين.
كما دعا إلى دعم الطلاب بالجامعات الفلسطينية، وأعلن عن إطلاق حملة كبيرة لتمويل طلاب وعلماء الفيزياء الفلسطينيين، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وكان يتابعه قرابة 4 ملايين شخص حول العالم.
وفي عام 2014، اعتبر ستيفن هوكينج، ما يحصل في سوريا “من الفظائع المقرفة”، ونشرت وقتها، واشنطن بوست الأميركية، والجارديان البريطانية، رسالة كتبها هوكينج، أعرب فيها عن غضبه مما يحدث في سوريا، وخاصة تجاه وقوف العالم متفرجاً أمام الموت، وغياب التكنولوجيا والمعدات الحديثة عند الحاجة إليها لإنقاذ السوريين.
وفي عام 2017، عندما أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب خروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، قال هوكينغ: “ترامب سيحول الأرض الى جحيم”، معربا عن رفضه لقرار ترامب، محذرا من أن مثل تلك القرارات تهدد الطبيعة والبشرية بأسرها.
وعلق هوكينج، بأن ذلك الأمر الذي سيؤدي إلى نقطة اللاعودة، وستكون نهاية الأرض وخيمة، مضيفا أن “ترامب ضد خطة البيئة العالمية ونحن على بعد خطوة من الاحتباس الحراري الذي سيجعل من الأرض كوكبا حارا يحمل معه تهديدا صريحا للطبيعة والبشرية”. واعتبر هوكينج وقتها أن البشرية ما زالت قادرة على تصحيح الأمور إذا اتفقت وانطلقت الدول جمعاء إلى تخفيف هذا التهديد.
أقواله
– أولا، تذكر أن تنظر إلى النجوم وليس إلى أسفل قدميك. ثانيا، لا تتخلى أبدا عن العمل، الذي يمنحك المعنى والغاية. ثالثا، إذا كنت محظوظا بما يكفي للعثور على الحب، فتذكر أنه هناك ولا تتخلص منه.
– نحن مجرد سلالة متطورة من القرود على كوكب صغير. ولكن يمكننا فهم الكون، ما يجعلنا مميزين.
– في حال زارت كوكبنا الكائنات الفضائية الغريبة، فستكون النتيجة مماثلة لاكتشاف أمريكا من قبل كولومبوس، الأمر الذي لم يكن في صالح الأمريكيين الأصليين. وعلينا فقط النظر إلى أنفسنا، لنرى كيف يمكن أن تتطور الحياة الذكية إلى شيء لا نريده حقا.
– أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، بل هو وهم المعرفة.
– نصيحتي للأشخاص المعاقين كالتالي: التركيز على الأشياء التي يمكن القيام بها رغم الإعاقة. ولا تجعل من روحك معاقة مثل جسدك.
– عندما يشكو منك شخص ما، ويقول إنك ارتكبت خطأ، أخبره أن هذا الأمر قد يكون جيدا، لأنه بدون الأخطاء، لا أنت ولا أنا سنكون موجودين.
– هدفي بسيط، يتمثل في فهم الكون، لماذا هو على هذا الحال، ولماذا يوجد في الأصل.
عبد العزيز الشناوي