هذا النوع من فصيلة البيسو هو أخفهم دماً على الإطلاق، يعشق الإستعراض، منذ نعومة أظافره يهوى لفت الأنظار، أنظار كل من يلمح بطرفى عينيه أنه يتابعه خصوصاً صنف الحريم بالذات، وفى أغلب الأحوال، ينتهى الموضوع بكارثة.
كانت البداية المبركة، فترة المدرسة الإعدادية، حيث أنهى هذا النوع من البيسو تعليمه بعد فشله فى الحصول على الإعدادية، كان بيسو مغرماً بالتزويغ من على سور المدرسة مع أقرانه، مع بعض الاختلافات البسيطة، كل زملاؤه يقفزون من فوق سور المدرسة بالطريقة العادية، إلا هوّ وخصوصاً إن المدرسة كانت مواجهة لمدرسة بنات، كان هذا بالطبع دافعاً قوياً لبيسو لممارسة هوايته المفضلة فى الإستعراض، يقوم بحركة بهلوانية بلف جسمه حول نفسه فى الهواء، والنهاية معروفة طبعاً، السقوط زرع بصل على جذور رقبته، ومباشرة من مامالمدرسة فى إسعاف إلى عنبر جراحة المخ والأعصاب فى المستشفى الأميرى، واشتباه ارتجاج فى المخ، وفى أحسن الأحوال انزلاق غضروفى بفقرات الرقبة، وعِش ياسيد بيسو باقى عمرك على كرسي متحرك.
فى ليلة من ليالى شهر طوبة والطقس شديد البرودة، وكما يقولون “يحش المسمار”، والأمطار لا تتوقف، سمعت صوت زفة فى شارعنا، نظرت من الشباك وأنا أرتعد من شدة البرودة برغم الطاقية الصوف التى وضعتها على رأسى، والكوفية التى تلف رقبتى، كان بيسو محمولاً على الأعناق، يقود زفة عروسين على طريقته الخاصة “والفرخة ماشية، ، ، ، ، ع الجدار، ، ، ، ، والديك قاطرها، ، ، ، ع الجدار، ، ، ، ، ، بوزه فى ديلها، ، ، ، ، ، ، ع الجدار، ، ، ، ، ، واحنا هارشينه، ، ، ، ، ع الجدار، ، ، ، ، ، ومطنشينه، ، ، ، ، ، ع الجدار”، إلى هنا وكان ممكناً أن يمر الموضوع بطريقة عادية، لكن بيسو لمح بطرفى عينيه بنت الجيران تقف فى الشباك، فقلب الآية على الجانب الاستعراضى، فى لمح البصر خلع سترته، ووقف عارى الصدر، وقلب قاموس مصطلحاته تمشياً مع الموقف “وع العريان، ، ، ، ، ، ، ع العريان، ، ، ، ، ، زفوا معايا، ، ، ، ، ، ع العريان، ، ، ، ، ، أحلى عروسة، ، ، ، ، ، ع العريان، ، ، ، ، ، على إبن الجيهة، ، ، ، ، ، ع العريان، ، ، ، ، ، سيد العرسان، ، ، ، ، ، ع العريان”، ثم تلى ذلك بشقلباظ فىبركة طين ومشى على يديه أمام العروسين، ومع محاولاته للحفاظ على توازنه فى هذا الوضع الغريب، إهتزت يداه، سقط فى البركة، تطاير كل الطين على بدلة العريس البيضاء السكرى، كانت النهاية المنطقية بعد ذلك إصابته بالتهاب رئوى حاد، وحجزه فى مستشفى الصدر بالمعمورة.
تنتهى الزفة، لكن دور بيسو لم ينت بعد، تجده قد قفز بكل ما علق به من طين فى سيارة لا يعرف صاحبها، وليس له مكان بها من الأصل، يكفيها العشرة ركاب المتراصين فوق بعضهم كعلبة السردين، طبعاً ليست هذه مشكلة بيسو، هوّ فقط يريد أن يضع بالسيارة موضعاً، حتى لقدم واحدة، أما باقى جسده فهو ليس عبءاً على أحد، فهو كله خارج نطاق السيارة، معلق فى الهواء ، وهات يا رقص، وفى عز نشوة بيسو، يصطدم به أوتوبيس مسرع مار بجانبه، وأقل نتيجة تتحقق هى ست غرز فوق الحاجب.
لو لم يجد بيسو سيارة يركبها، سيكون غالباً قد جهز دراجة بخارية ( توموسيكل لا مؤاخذة )، على حد تعبيره، يقفز عليها ويقودها بأعلى سرعة أمام سيارة العروسين، يتحرك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ثم يقف على حيله، يرفع مقدمتها لأعلى، بالطبع لن تمر سوى دقيقتان، وتجد هذا البيسو مقلوباً على ظهره، والدراجة البخارية فى حضنه، ويزحف باقصى سرعة ليصطدم بالجزيرة الموجودة فى منتصف الشارع، أو يدخل فى صندوق زبالة، أو كشك مرور، وتصل الإسعاف، وهيا يا سيد بيسو على مستشفى ناريمان للعظام، وأقلها جبس باليدين والرجلين لمدة شهرين.
موسم الصيف، هو موسم قمة نشاط بيسو الاستعراضى، فهو إما يقفز من على كوبرى ستانلى، أو من فوق الكبائن لداخل الحوض، وأمة لا إله إلا الله تقف على الكورنيش لمشاهدته، ولا تسمع سوى “يا حول الله يارب، الواد يا حبة عينى نزل على السور صف سنانة اتكسر ووشه اتخرشم”، وقد تجده فى سيدى بشر يقفز داخل بئر مسعود، ثم يتلقى التحايا والتهانى من المصيفين، فتزداد نشوته، ويقفز مرة أخرى ولا يظهر له أثر بعدها، أخيراً تجده محمولاً مثل الفسيخة، والدماء تنزف من كل جسده، ولا تسمع سوى “ربنا يستر، وسعوا للإسعاف، حد يعرف حد من أهله؟”.
ستكون محظوظاً لو ذهبت إلى ملاهى كوتة ليلاً، ستشاهد فيلم ( بيسو فى المراجيح الدوّارة)، وبرغم تعليمات الراجل المسئول بعدم فك حزام الأمان، والبقاء كلٌ فى مكانه، لكن هيهات، بيسو لن يدعها تمر بهذه الطريقة بدون استعراض؟، تصل المراجيح لأقصى سرعة، بيسو يفك الحزام، يقف على حيله، يمسك الأرجوحة بيد واحدة، ويحيى الجمهور بالتانية، العامل المسئول عن المراجيح يصرخ، يلطم، يستعطفه بأن يجلس ويوثق رباط الحزام، الجماهير تضع إياديها على قلوبها، أنظارها الكل معلقة ببيسو.
فجأة، وبفعل قوة الطرد المركزى، يطير بيسو مثل الجوال، يصطدم بشجرة، ويصرخ رجل” هيلا هوب، إيدك انت وهوَ نسلِّك بيسو من فروع الشجرة، لكن للأسف لم يعد بيسو، بل بقايا بيسو.
تذكرنى هذه النهاية الماساوية لبيسو بنوع آخر من بيسو الاستعراضى، هذا الذى يهوى ركوب سقف قطار أبى قير، ليس لتوفير نقوده ، لا مطلقاَ، فهو ( كسِّيب ) ويستطيع أن يذهب بتاكسى، لكن غريزة حب الاستعراض هى الدافع، يفرد بيسو يديه ( ما تقولش راكب تايتانك )، يجرى على سطح القطر بالعكس، من محطة مصر لأبى قير، بس إحقاقاً للحق غالباً لا يصل إلى مقصده، سلك كهرباء متقاطع مع القطار بالعرض أو كوبرى علوى ( يحش ) رقبته وقابل رب كريم يا بيسو فى الحال، أو على أحسن افتراض يسقط على القضبان، وتبتر له عجلات القطار رجليه، وهيا يا بيسو على التأهيل المهنى، ومصنع الأطراف الصناعية.
د.قدرى نوار